القواعد الآمرة والقواعد التكميلية أو المفسرة
جرى الفقه على تقسيم القواعد القانونية إلـى عـدة أنـواع، تختلـف باختلاف زوايا النظر إليها.فمن حيث طبيعتها القانونية، تنقسم القواعد القانونية إلى نوعين: عامـة وخاصة إذ إن القواعد القانونية العامة، هي القواعد التي يتضمنها عادة القانون العام بفروعه، أما القواعد القانونية الخاصة فهي القواعد التي يشملها القـانون الخاص بفروعه.
وتقسم القواعد القانونية من حيـث تنظيمهـا للحقـوق، إلـى قواعـد موضوعية وقواعد شكلية. ويقصد بالقواعد الموضوعية كل قاعدة تقرر حقاً أو تفرض واجباً. ومثل ذلك ما نصت عليه المادة (386) من القـانون المـدني: (البيع عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء، أو حق مالي آخر في مقابل ثمن نقدي).فهذه القاعدة موضوعية لأنها تقرر حقاً للمشتري وهـو نقـل ملكية الشيء المبيع إليه، وتفرض على البائع واجباً وهو نقل الملكية للمشتري، وفي ذات الوقت تقرر حقاً للبائع وهو المقابل النقدي أي ثمن الشيء، وتفرض على المشتري واجب دفع الثمن للبائع أما القواعد الشكلية فهي القواعد القانونية التي تبين الوسائل التي يمكن بها اقتضاء الحق المقرر، أو تقرير كيفية الالتزام بالقيام بالواجب. ومن أمثلـة القواعد الشكلية معظم قواعد قانون أصول المحاكمات المدنية، وهي التي تنظم كيفية مباشرة الدعوى المدنية، واختصاصات الجهات القضائية المدنية.
والقانون ينظم سلوك الأشخاص في المجتمع، غير أن القانون لا يسلك سبيلاً واحداً، بل تتعدّد مسالكه فهو قد ينظم هذا السلوك على نحـو معـين لا يرتضي بغيره بديلاً.
وقد ينظمه على نحو يترك فيه للأفراد حرية تنظيم أمورهم على وجه قانوني آخر، وعليه نجد في بعض القواعد القانونية أن القـانون يقيـد حريـة الأفراد بحيث يمنعهم من مخالفة نصوصه وحينئذ تكون هذه القواعد آمرة، أما في بعضها الآخر فنجد أن القانون يمنح الفرد نوعاً من الاختيـار فـي تنظـيم نشاطه، وحينئذ نكون أمام قواعد مكملة.
القواعد الآمرة
هي القواعد التي تأمر الفرد بسلوك معين، أو تنهي عنه بحيث لا يجوز للأفراد الاتفاق على خلاف الحكم الذي تقرره، وكل اتفاق على خلاف الحكم لا يعتد به ويعدّ باطلاً، فهذه القواعد تمثل قيوداً ضرورية لإقامة النظام العام فـي المجتمع، وتفرض تحقيقاً للمصلحة العامة، ومن أمثلة هذه القواعد: - القاعدة التي تنهى عن القتل، السرقة، التزوير، الرشوة، أو غير ذلـك مـن الجرائم.
- القاعدة التي تأمر بأداء الضرائب .
- القاعدة التي تضع حداً أقصى لسعر الفائدة وتنهى عن تجاوزه.
- القاعدة التي تنهى عن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة.
والقاعدة الآمرة هي القاعدة التي لا يجوز للأفراد أن يتفقوا علـى مـا يخالف حكمها، لأنها تهدف إلى حماية مصالح المجتمـع الأساسـية ولـذلك لا يسمح للأفراد باستبعاد أحكامها وتبني أحكام غيرها فيما يجرونه من عقـود أو تصرفات قانونية.
ويلاحظ أن العلة من جعل القاعدة الآمرة قاعدة واجبة الإتباع إطلاقـاً تكمن في أن هذه القاعدة إنما تنظم مسألة تعدّ أساسية لإقامة النظام في المجتمع وذلك بالنظر إلى أن هذه المسألة تمس كيان المجتمع.
القواعد المكملة أو المفسرة
وهي القواعد التي تنظم سلوك الأفراد على نحو معين، لكـن يجـوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف حكمها، وهذه القواعد على خلاف القواعد الآمرة لا تمثل قيوداً على حرية الأفراد، إذ يجوز لهم الاتفاق على خلاف ما تقـررهفي تنظيم علاقاتهم في المجالات التي لا تمس فيها هـذه العلاقـات بمصـلحة عامة، فالقواعد المكملة تنظم علاقات يترك تنظيمها في الأصل لإرادة الأفراد، ومن أمثلة القواعد المكملة:
- القاعدة التي تقرر أن الثمن يكون مستحق الوفاء في المكان وفي الوقت الذي يسلم فيه المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك.القاعدة التي تفرض على المؤجر التزاماً بصيانة المكان المستأجر مـا لـم
يقض الاتفاق بغير ذلك.
- القاعدة التي تجعل نفقات عقد البيع والتسجيل
،ونفقات تسليم المبيـع علـى عاتق المشتري، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك.
فهذه القواعد يجوز الاتفاق على خلاف الأحكام التي تقررها. فـيمكن مثلاً الاتفاق على الوفاء بالثمن في وقت لاحق لتسليم المبيع ، أو الاتفاق علـى تحمل البائع كل النفقات المترتبة على عقد البيع أو جزء منها.
ويطلق بعض الفقه على القواعد التي يجوز الاتفاق على خلاف الأحكام التي تقررها القواعد النسبية بالمقابلة لاصطلاح القواعد المطلقة الذي اقترحـوه
على القواعد الآمرة، ولا يعني جواز الاتفاق على خلاف أحكام القواعد المكملة أن تتحول إلى قواعد اختيارية موجهة للأفراد على سبيل النصح، وإنمـا هـي قواعد قانونية بمعنى الكلمة لها صفة الإلزام التي تميز قواعد القانون من قواعد الأخلاق.
وتكمن جدوى القواعد القانونية المكملة في النواحي التالية:
الأولـى: رغبة المشرع في جعل الأفراد يستغنون عن البحث عن المسـائل التفصيلية التي تنظم علاقاتهم.
الثانية: كثيراً ما يكون الأفراد ليس لديهم خبرة ببعض المسائل القانونية، أو كثيراً ما لا ينتبهون إلى تنظيم بعض المسائل التفصيلية، أو أنه لا وقت لـديهم
للبحث عن مثل هذه التفصيلات ،فما عليهم سـوى الاتفـاق علـى المسـائل الجوهرية وترك ما عداها من مسائل تفصيلية لحكم القواعد القانونية المكملـة،
فالقاعدة المكملة تطبق حيث لا يوجد اتفاق من الأفراد على مسألة معينة، فمـن يبرم عقد بيع مثلاً: ما عليه سوى الاتفاق على المبيع والثمن فقط، أما مـا دون
ذلك من بيان لمكان تسليم المبيع ،وزمانه، وكيفية دفع الثمن، والتزامات البـائع بضمان الاستحقاق، أو بضمان العيوب الخفية، فكلها أمـور وفـرت القواعـد المكملة على الأفراد مشقة البحث عنها.
والقواعد التكميلية خلافاً للقواعد الآمرة، لا تهدف إلى حماية مصـالح المجتمع الأساسية وإنما تتعلق مباشرة بمصالح الأفراد، ولـذا يسـمح لهـؤلاء الأفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكمها باستبعاد أحكامها إذا شـاؤوا، والأخـذ بأحكام غيرها يختارونها بأنفسهم لأنهم الأولـى بتقـدير مصـالحهم وطـرق تحقيقها.
اقراء ايضا:
معيار التفرقة بين القواعد القانونية الآمرة والمكملة
شكرا
ردحذف