القاعدة القانونية العامة والقاعدة القانونية الخاصة

القاعدة القانونية العامة والقاعدة القانونية الخاصة

من أجل التمييز بين هذين النوعين من القواعد، ننظر إلى مدى وجود الدولة كطرف في العلاقة القانونية التي تحكمها هذه القواعد . فإذا كانت الدولة طرفا في العلاقة القانونية باعتبارها صاحبة السيادة والسلطة ، فإن هذه العلاقة تكون خاضعة للقانون العام. ومثال ذلك القواعد التي تنظم المؤسسات الحكومية والإدارات والقواعد التي تنظم علاقة الدولة بموظفيها، وأيضا علاقة الدولة بدولة أخرى.....
أما إذا كانت العلاقة القانونية تربط بين أشخاص عاديين فعندئذ تكون أمام قواعد القانون الخاص، أي تلك التي تنظم التصرفات والمعاملات القانونية بين الأفراد فيما بينهم أو بينهم وبين الدولة، حينما تتدخل كشخص معنوي عادي يقوم بأعمال عادية بعيدة عن أعمال السلطة والسيادة. ومثال ذلك : القواعد المنظمة للزواج والعقود كعقد البيع والكراء...
مدخل الى العلوم القانونية S1

الفقرة الأولى: معيار التميز بين القانون العام  والقانون الخاص
يمكن تعريف القانون العام: "مجموع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تظهر فيها سلطات الدولة باعتبارها ذات سلطان وسيادة" . بعبارة أخرى،"مجموع القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين سلطات الدولة المختلفة، وتحدد النظام السياسي للدولة وعلاقتها بالدول الأخرى والأفراد"
أما القانون الخاص ، فهو " مجموع القواعد القانونية التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا".
وبناء على التعريفين السابقين ، رأى بعض من الفقه، بأن معيار التمييز بين القانون العام والقانون الخاص هو ما إذا كانت الدولة في العلاقة التي تنظمها ق.ق. تعتبر ذات سلطة وسيادة (القانون العام) أم طرفا عاديا مساويا لباقي الأفراد (القانون الخاص) على أن هذا المعيار النقده العديد من الفقهاء، لعجزه عن استيعاب جميع القواعد القانونية، لأن في بعض منها لا توجد الدولة طرفا في العلاقة التي تنظمها، مما جعل بعض الفقهاء يقترحون معايير أخرى: فاقترح البعض معيارا يستند إلى غاية القواعد القانونية، واقترح البعض معيارا يستند إلى الخصائص الجوهرية لهذه القواعد، فيما اقترح آخرون معيارا يستند إلى جراءات القاعدة القانونية.
و حسب معيار غاية القاعدة القانونية، فإن القانون يكون عاما من كان يهدف إلى تحقيق الصالح العام، ويكون خاصا عندما يسعى إلى تحقيق المصالح الخاصة للأفراد. ولكن هذا المعيار ليس دقيقا ، لأن بعضا من قواعد القانون العام تروم تحقيق المصلحة الخاصة (الحريات فيالدستور مثلا)، كما أن بعض من قواعد القانون الخاص تأخذ المصلحة العامة بعين الاعتبار ( مثال: النفقة بين الآباء والأبناء مثلا).
حسب معيار الخصائص الجوهرية للقاعدة القانونية، فإن قواعد القانون العام، هي أمرة يخضع فيها الفرد لإرادة الدولة، بينما قواعد القانون الخاص هي مكملة تخضع لإرادة الأفراد، الذين يمكنهم الاتفاق على خلاف حكمها.
غير أن هذا المعيار أيضا غير صالح للتمييز بين القانون العام والقانون الخاص، على اعتبار أن القانون العام ليس دائما أمرا (مثلا: تنصيص الدستور على الحريات)، كما أن القانون الخاص ليس دائما مكملا (مثلا: منع التنازل عن تركة إنسان على قيد الحياة أو التصرف فيها بأي تصرف).
أما حسب معيار جزاءات القاعدة القانونية ، فهناك فوارق نقدية بين القانون العام والقانون الخاص، وأهم هذه الفوارق :
- في القانون الخاص، يمنع على الفرد افتضاء حقه بنفسه ( نظام العدالة الخاصة)، بينما في إطار القانون العام، تمتلك الإدارة امتياز التنفيذ المباشر والفوري من خلال الحكم القضائي.
- في القانون الخاص يتم تنفيذ الحكم بواسطة طرق خاصة تسمى طرق التنفيذ، في حين لا يعمل بمثل هذه الطرق في إطار القانون العام تجاه الإدارة ، حيث يتم الفصل في النزاعات المرتبطة بالقانون الخاص أمام المحاكم العادية.
- أما النزاعات الخاضعة للقانون العام فيرجع النظر فيها إلى نوع خاص من المحاكم هي المحاكم الإدارية أو المحكمة الدستورية .
وبالرغم من أهمية كل هذه المعايير، هناك عدة ميادين يتداخل فيها كلا القانون العام والخاص، مما جعل بعض الفقهاء يتحدثون عن ظاهرة "تعميم القانون الخاص"، وبعضهم يتحدث عن ظاهرة "خوصصة القانون العام".

الفقرة الثانية: فروع القانون العام والقانون الخاص.

اولا: فروع القانون الخاص.
عرفنا القانون الخاص بأنه المجموع القوعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الأفراد فيما بينهم، أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا كباقي الأشخاص، لا باعتبارها ذات السلسلة والسيادة". لذا، للقانون الخاص عدة فروع من أهمها: القانون المدني، والقانون التجاري، وقانون الشغل، والقانون الدولي الخاص.
أ- القانون المدني: هو " مجموعة من القواعد القانونية التي تتعلق بحياة الفرد باعتباره عضوا في أسرة، وتنظم علاقته بغيره من الأفراد في ما يتناوله بالتنظيم فرع آخر من فروع القانون الخاص". والقانون المدني هو أصل القانون الخاص كله بجميع فروعه، وعنه تفرعت هذه الفروع، وإليه يرجع في ما لم يرد فيها نص خاص، باعتباره الشريعة العامة. وينقسم إلى قسمين: - 
قسم الأحوال الشخصية: أي حالة الشخص وأهليته وعلاقته بأسرته، وما يترتب عنها من حقوق وواجبات. 
- قسم الأحوال العينية: ويشمل كل ما يتصل بنشاط الشخص بالنسبة إلى الأموال، من حيث تعريف المال وأنواعه، وبيان الحقوق المالية للشخص وطرق كسبها وانقضائها... إلى غيرذلك.
ب- القانون التجاري؛ هو "مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم التجارة ونشاط التجار سواء كانوا أشخاصا ذاتية أو أشخاصا معنوية كالشركات". وهكذا يبين القانون التجاري متى يعتبر الشخص تاجرا، ومتي يعتبر العمل تحاريا ، كما يحدد واجبات التجار وأنواع الشركات التجارية، طرق تكوينها ونشاطها وكيفية انقضاءها. كما يحدد أنواع العقود التجارية والأوراق التجارية...
ج- قانون الشغل: هو "مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم علاقات العمل الفردية والجماعية التي تنشأ بين العمال وأصحاب الأعمال". بعبارة أخرى ينظم هذا القانون، علاقات الشغل الفردية حيث يحدد ساعات العمل والإجازة الأسبوعية والسنوية، وإجازة المرض، والحد الأدنى للأجر وسن التشغيل وتشغيل الأحداث والنساء، وكيفية إنهاء عقد الشغل، مهلة الإخطار، التعويض عن الطرد التعسفي ،،،كما ينظم هذا القانون، علاقات الشغل الجماعية كالاتفاقيات الجماعية ونقابات العمال، ولجنة المقاولة، وممثلي العمال، والإضراب .... هذا إلى جانب حوادث الشغل التي قد يترتب عنها إصابة العامل بعجز مؤقت أو دائم....
وعليه، ينظم هذا القانون كل ما يتعلق بحماية الأجواء من الاستغلال ، باعتبارهم الطرف الضعيف في علاقة 
الشغل.

ثانيا: فروع القانون العامة.
إذا كان القانون العام هو "مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم علاقات الدولة بغيرها من الدول وبالأفراد باعتبارها ذات سلطة وسيادة"، فإننا نميز في فروع القانون العام بين القانون العام الخارجي ويسمى بالقانون الدولي العام، والقانون العام الداخلي، فعلى اعتبار أن الدولة صاحبة السيادة قد تتدخل في علاقات قانونية مع أفرادها داخل حدودها الجغرافية، وهنا يتم ضبط هذا النوع من العلاقات بالقانون العام الداخلي.
لكنها قد تتدخل في علاقات قانونية مع دولة أخرى، وفي هذه الحالة يتم اللجوء التنظيم هذا النوع من العلاقات إلى القانون العام الخارجي أو كما يطلق عليه أيضا بالقانون الدولي العام، ويتناول القانون العام الداخلي فروعا عدة كالقانون الدستوري، والقانون الإداري...
أ- القانون الدولي العام: هو "مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم علاقات الأشخاص المعنوية الدولية ببعضها البعض ، سواء في حالة السلم، أو في حالة الحرب، أو في حالة الحياد".
ويقصد بالأشخاص المعنوية الدولية: الدول والمنظمات الدولية. ويستمد هذا القانون مصادره من:
- المعاهدات الدولية؛
- العادات والأعراف التي أفرزها الممارسات الدولية ؛
- المبادئ العامة،
- قرارات محكمة العدل الدولية بلاهاي.
ب- القانون العام الداخلي: يتكون من عدة فروع القانون الدستوري، القانون الإداري، القانون المالي.
- القانون الدستوري : هو "مجموعة من القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وتحدد السلطات العامة في الدولة، ونطاق كل سلطة. كما تبين الحريات العامة التي يتمتع بها الأفراد، وما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات".
- القانون الإداري: "مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم نشاط الإدارة، وكيفية قيامها بأداء وظيفتها، وكيفية مراقبة الأفراد الأعمالها، والجهة المختصة بذلك". كما يشمل تنظيم الجهاز الإداري في الدولة، والعلاقة بين الإدارة المركزية والإدارات المحلية في الأقاليم، والعلاقة بين الإدارة وموظفيها، وتنظيم أموال الدولة، والفصل في المنازعات التي تقوم بين الإدارة والأفراد).
- القانون المالي: هو "مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم مالية الدولة من حيث إيراداتها  ومصروفاتها"، وبالتالي فهو يبين الإيرادات التي تشمل إيرادات أملاك الدولة، الضرائب، القروض الداخلية أو الخارجية ....
أما النفقات فتؤدي من طرف الدولة كمقابل للخدمات العامة من أجل تحقيق الإشباع العام الذي لا يمكن أن يتم إلا بصرف إيراداتها في شكل نفقات على مختلف القطاعات التي تتوفر عليها الدولة، كالتعليم، الصحة، الأمن .... كما يعين القانون المالي، القواعد التي تتبع في تحضير الميزانية السنوية وفي تنفيذها.

ثالثا: الفروع المختلطة.
ويتعلق الأمر بالقانون الجنائي وقانون المسطرة المدنية والقانون الدولي الخاص.
أ- القانون الجنائي: يعتبر من الفروع المختلطة، وذلك لاختلاف الفقه حول اعتباره من فروع القانون العام أو من فروع القانون الخاص أو قانونا مختلطا. ويمكن تعريفه بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد الأفعال التي تعد جرائم والعقوبات المخصصة لها وكذا الإجراءات التي يجب اتباعها من أجل من جبر الضرر عند وقوع الجريمة من حيث البحث عن المجرم وضبطه وتقديمه للمحاكمة ....
ب- قانون المسطرة المدنية أو القانون القضائي الخاص: يشمل "القواعد القانونية التي تبين التنظيم القضائي في الدولة، وتحدد اختصاص المحاكم، وتنظم الإجراءات ، والمواعيد الواجبة الاتباع في التقاضي، والمحاكمة، والفصل في الخصومات، وتنفيذ الأحكام الصادرة فيها"....
ج- القانون الدولي الخاص: هو "مجموعة من القواعد القانونية التي تبين المحكمة المختصة والقانون الواجب التطبيق بالنسبة للعلاقات القانونية والروابط ذات العنصر الأجنبي". ويدخل ضمن إطار القانون الدولي الخاص كل القواعد التي تنظم الجنسية، والقواعد الخاصة بالموطن وبمركز الأجانب...



إرسال تعليق

أحدث أقدم