معيار التفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة

 معيار التفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة

إن تقسيم القاعدة القانونية إلى قاعدة آمرة لا يجوز مخالفتها، وأخرى مكملة يجوز الاتفاق على استبعاد أحكامها، يقتضي بالضرورة إيجاد معيار للتمييز بينهما من أجل التعرف على نوع القاعدة، من أجل عدم الوقوع في المحظور. وقد اتفق فقهاء القانون على معيارين وهما: المعيار اللفظي أو المادي (أولا) والمعيار الموضوعي أو المعنوي (ثانيا).
دروس القانون S1


أولا: المعيار اللفظي:
وفق هذا المعيار يتم التمييز بين القاعدة القانونية الأمرة والقاعدة القانونية المكملة من خلال الألفاظ المستعملة في النص. فتكون - قاعدة قانونية آمرة إذا كانت ألفاظ النص تفيد النهي عن الخروج على أحكامها ويمنع الاتفاق على ما يخالف هذه الأحكام. مثلا: "لا يجوز"، "يقع باطلا"، "يعاقب".
مثال ذلك في القوانين: من القواعد القانونية الآمرة المحددة لهذا المعيار اللفظي ما تضمنه:
- الفصل 607 مكرر من القانون الجنائي "يعاقب بالسجن من 10 سنوات إلى 20 سنة كل من كان على متن طائرة ما خلال تحليقها فاستولى على الطائرة أو فرض مراقبته عليها بعنف بأية وسيلة من الوسائل".
- الفصل 59 من ق.ل.ع "يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا، إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون".
- الفصل 61 من ق.ل.ع"لا يجوز التنازل عن تركة إنسان على قيد الحياة، ولا إجراء أي تعامل فيها، أو في شيء مما تشتمل عليه، ولو حصل برضاه، وكل تصرف مما سبق يقع باطلا بطلانا مطلقا".
- قاعدة قانونية مكملة إذا كانت ألفاظ النص تفيد جواز الاتفاق على مخالفتها ، مثال: ما لم يقض الاتفاق بخلافة" أو "ما لم يتفق على غير ذلك" فمثل هذه العبارات تفيد أنه يمكن للأفراد الاتفاق على مخالفة هذه الأحكام. مثال ذلك في القوانين:
/ الفصل 637 من ق.ل.ع. الذي نص على ما يلي: "مصروفات التسليم على المكري ويتحمل كل من المتعاقدين مصروفات رفع الشيء المكترى وتسلمه وكل ذلك ما لم يجر العرف أو يقضي الاتفاق بخلافه".
/ المادة 481 من مدونة التجارة: "يستحق السمسار أجرته من الطرف الذي كلفه، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بخلاف ذلك".

ثانيا: المعيار الموضوعي أو المعنوي:
في بعض الأحيان، لا يسعف المعيار اللفظي من أجل التمييز بين القاعدة القانونية هل هي آمرة أو مكملة، مما يقتضي البحث في مدى ارتباط القاعدة القانونية بالنظام العام أو بالمصلحة الفردية.
فإذا كانت القاعدة القانونية مرتبطة بالنظام العام وحسن الآداب كانت قاعدة قانونية آمرة. أما إذا كانت القاعدة القانونية مرتبطة بالمصلحة الفردية كانت قاعدة مكملة.
لكن الإشكال الذي يطرح هنا ، هو تحديد مفهوم النظام العام وحسن الأداب يطلق عليه المشرع المغربي عبارة (الأخلاق الحميدة)، ذلك أن مفهوم النظام العام مرن وفضفاض ويصعب تحديده بدقة، إذ يختلف باختلاف الزمان والمكان تبعا للأفكار أو الاتجاهات المعتمدة داخل الدولة.
والنظام العام هو مجموعة من الأسس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والخلقية المرتبطة بمجتمع معين. ويأخذ المشرع المغربي بمعيار النظام العام في العديد من المواضيع كما في الفصل 62 من ق.ل.ع. الذي جاء فيه: "الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن يكون السبب غير مشروع، إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام، أو للقانون". فوفق ما سبق، يعتبر من النظام العام، كل ما هو مرتبط ب:
- حماية الفرد من كل أنواع الأعتداء: السرقة، القتل...
- حماية الأسرة من كل أنواع الفساد: تنظيم الزواج، الطلاق، الحضانة ...
- حماية النظام السياسي للدولة : التصدي لكل أنواع الفساد، حماية نظام الحكم، الحريات العامية...
- حماية الأخلاق العامة: منع الزنا، تحريم الاغتصاب...
- حماية الاقتصاد الوطني، بحماية نظام النقد والإنتاج، تنظيم العلاقة بين الشركاء الاقتصاديين الخارجيين، تنظيم العلاقة بين العامل ورب العمل ...
وما يعتبر من الأخلاق الحميدة في بلد ما ، قد لا يكون كذلك في بلد آخر ومثال ذلك، ممارسة البغاء أو فتح ناد لممارسة القمار يعتبر خرقا للأداب الإسلامية، في حين لا يعتبر من الآداب العامة في الدول الغربية. إذن، لا مفر من ترك السلطة التقديرية للقاضي للنظر في كل حالة تعرض عليه على حدة، من أجل تحديد ما يتعلق بالنظام العام، أي بالمصلحة العامة والعليا للمجتمع، وبالآداب، وفق الحد الأدنى من القيم الأخلاقية اللازم مراعاتها في المجتمع.

اقراء ايضا:


إرسال تعليق

أحدث أقدم