الخطأ في المسؤولية التقصيرية

الخطأ في المسؤولية التقصيرية

المسؤولية عن العمل الشخصي هي مسؤولية الشخص عن العمل الذي يصدر منه بنفسه، ومن دون تدخل شخص آخر أو شيء أو حيوان، وهي الأصل العام في المسؤولية، وتتميز بأنها تقوم على خطا واجب الإثبات أي خطا يجب على المتضرر أن يثبته في جانبه المسؤول و المسؤولية عن العمل الشخصي لا تقوم إلا بترافر ثلاثة أركان اساسية وهي علاقة سببية بين الخطأ و الضرر وبتوافر هذه الأركان تتحقق المسؤولية التقصيرية و تنتج آثارها.
الخطأ في المسؤولية التقصيرية

 الخطأ
لم يعط الفقه تعريفا واحدا للخطا لأن فكرة الخطأ فكرة غير مضبوطة الحدود، وقد عرفه الفقه التقليدي بأنه عمل غير مشروع، وعرفه بلانيول بأنه إخلال بإلتزام سابق، وهذا الإلتزام قد يكون عمل أو امتناع عن عمل، وعرفه سافيني بأنه إخلال بواجب قانوني و أخلاقي هو عدم الإضرار بالغير، وقد
عرف سليمان مرقس الخطا بأنه إخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل لنتائج أفعاله، ورغم أن جل التشريعات المقارنة لم تعرف الخطا إلا أن المشرع المغربي عرف الخطأ في الفقرة الثانية من الفصل 78 من ق ل ع التي ورد فيها: " والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله وفعل ما كان يجب الإمساك وذلك من غير قصد لإحداث الضرر".
الفقرة الأولى: أنواع الخطأ
أولا : الخطأ العمدي(الجرم) و الخطأ بإهمال(شبه الجرم)
الخطا إما إرادي يكون الخطا عمدا ويسمى جرما، و إما يكون خطا بإهمال ويسمى عندها شبه جرم، فالخطا العمد هو الذي يقع بقصد الإضرار بالغير (الفصل 77 من ق ل ع ) أما الخطأ بإهمال فهو الذي يقع بدون قصد الإضرار كان يزلق أحد ويسقط على مال آخر فيتلفه (الفصل 78 من ق ل ع )
وسواء كان الخطأ عمدا (إراديا) أو بإهمال فإن المسؤولية تترتب على مرتكبه في الحالتين و إن كان القاضي يمل من الناحية العملية إلى الزيادة في التعريض في حالة الخطأ العمد عنه في حالة الخطا بإهمال.
ثانيا : الخطأ الإيجابي و الخطأ السلبي
الخطأ الإيجابي هو الذي يكون فيه فعل المخطئ عملا إيجابيا كما ورد في الفصل 78من ق ل ع هو الذي يقوم على فعلا كان ينبغي الإمتناع عنه كأن يصدم سائق السيارة أحد المارة فيصيبه بجروح، في حين أن الخطا السلبي هو الذي يكون فعل المخطئ فيه عملا سلبيا أو حسب تعبير المشرع في الفصل 78 من ق ل ع هو الذي يقوم على ترك ما كان يجب عمله، كأن يهمل سائق السيارة إضاءة مصباح سيارته ليلا و يسبب حادث اصطدام بسيارة أخرى.

ثالثا: الخطأ الجسيم و الخطأ اليسير
الخطأ الجسيم هو الذي لا يرتكبه إلا شخص غبي كان يسوق سائق السيارة ليلا بسرعة فائقة و دون إضاءة فيتسبب في حادث اصطدام الخطا اليسير هو الذي يرتكبه شخص متوسط الفطنة و الذكاء كأن يعمل مالك صيانة حائط حديقته فينهار الحائط ويتلف مزروعات الجار.

الفقرة الثانية أركان الخطأ.
إن مفهوم الخطا يقوم على ركنين أساسيين هو رکن مادي و هو الفعل الذي ينطوي على إخلال بالتزام قانوني ويسمى اصطلاح "بالتعدي"، و ركن  معنوي هو كون الفعل الذي ينطوي على إخلال بالتزام قد ارتكب ممن يدرك أن عمله ينطوي على الإضرار بالغير ويسمي اصطلاحا "الإدراك أر التمييز"
أولا: الركن المادي في الخطأ " التعدي"
التعدي هو الإخلال بالتزام قانوني ويمكن أن يتخذ هذا الإخلال إحدى الصور الثلاثة التالية:
1- مخالفة نص قانوني: إذا كان القانون  نص على التزام محدد فالإخلال بهذا الإلتزام يعتبر تعديا يوجب المسؤولية فهناك مثلا يجرم القانون السرقة و الضرب وأخذ مال الغير.
2 - مخالفة إلتزامات غير  قانونية غير محددة في نصوص :
فهذه الإلتزامات تكون من قبل الواجبات العامة التي تفرض على الإنسان احترام حقوق الغير و الامتناع عن إيذائه في ممارسة الحق ممارسة تعسفية. إذا عارض شخص حقه وحصل أن ادت ممارسته حقه إلى الإضرار بالغير، فهل سأل عن هذا الضرر؟ الأصل لا، لأن المسؤولية التقصيرية تتطلب أن يكون الضرر نجم عن خطا، والخطا لا يتوفر في الحالة التي يستعمل فيها الإنسان حقا  دون أن يتجاوز الحدود المرسومة لهذا الحق الفصل (94 ق ل ع )، ولكن على سبيل الاستثناء يمكن أن يقع استعمال الحق على نحو يكون فيه الشخص مخطئا و هذا ما يسمى بالتعسف في استعمال الحق، ويعتبر الشخص متعسفا في استخدام حقه في الحالات التالية:
 إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها صاحب الحق قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. إذا لم يقصد من وراء استعمال حقه سوى الإضرار بالغير( الفقرة الثانية الفصل 94 قلع).
 إذا كان صاحب الحق قد تجاوز في ممارسة حقه الحدود المألوفة (الفصل 92 ق ل ع )۔
ثانيا: الركن المعنوي الإدراك و التمييز.
يجب لقيام الخطا أن يكون من ارتكب التعدي مدركا لهذا التعدي أي قادرا على التمييز بين الخير والشر، والنفع والضر : فيدرك أن تعديه يلحق ضررا بالغير، فالتمييز هو مناط المسؤولية التقصيرية، هذه المسؤولية تقوم إذا وجد التمييز وتنعدم إذا فقد، هذا ما نصت عليه الفصول 93 و 96
و97 من ق.ل.ع على النحو التالي:
- فيما يتعلق بصغر السن، لا يسال الصبي غير المميز مسؤولية تقصيرية ، أما من كان مميزا أي بالغا 12 سنة من عمره، فإنه يسال مسؤولية تقصيرية كاملة
2 - المجنون لا يسال عن العمل الشخصي مالم يثبت أن العمل الضار قد ارتكب وقت افاقته.
3- الصم و البكم وغيرهما من ذوي العاهات يسالون مبدئيا عن الأضرار الناجمة عن أخطئهم لتوافر الإدراك عندهم ما لم يقم الدليل على أنهم لا يتمتعون بالدرجة اللازمة من التميز لتقدير نتائج أعمالهم الفصل 97 ق.ل.ع
4- ينعدم التمييز لغير الصغر الجنون كما في حالة مرض النوم و إصابة بالصرع و الإدمان على السكر، في مثل هذه الحالات يشترط لانتفاء مسؤولية الشخص أن لا يكون فقدان التمييز
راجعا إلى خطأ منه الفصل 93 قلع
ثالثا: الحالات التي لا يكون فيها الخطأ سببا للمسؤولية
لا يترتب على الخطا أية مسؤولية ويتحقق ذلك في ثلاث حالات وهي:
1- إعطاء بيانات غير صحيحة عن حسن نية ودون علم بعدم صحتها، تم نص على هذه الحالة في الفصل 82 قلع بقوله"من يعطي بحسن نية ومن غير خطأ جسيم أو تهور بالغ من جانبه، بيانات وهو يجهل عدم صحتها، لا يتحمل أي مسؤولية تجاه الشخص الذي أعطيت له".
- إذا كانت له او لمن تلقي البيانات مصلحة مشروعة في الحصول عليها
- إذا وجب عليه، بسبب معاملاته او بمقتضى التزام قانوني، أن ينقل البيانات التي وصلت إلى علمه.
2 - مجرد النصيحة أو التوصية في غير الحالات التي نص عليها الفصل 83 ق.ل.ع
إن النصيحة او التوصية إن أحدثت ضررا لمن أسديت له رتبت المسؤولية على من اسداها في الحالات التالية:
- إذا أعطى النصيحة قصد خداع الطرف الآخر.
- إذا كان بسبب تدخله في المعاملة بحكم وظيفته.
- إذا ارتكب خطأ ما كان ينبغي أن يرتكبه شخص في مركزه ونتج عن هذا الخطأ ضرر للطرف الأخر.
- إذا ضمن نتيجة المعاملة.
3-الدفاع الشرعي
نص الفصل 95 من ق ل ع على أنه لا محل للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي وأوضح أن حالة الدفاع الشرعي في الحالة التي يجبر فيها شخص على العمل لدفع اعتداء حال غير مشروع موجه لنفسه أو لماله أو لنفس الغير أو لماله.
فمن يحدث ضرر للغير وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله لا يكون مسؤولا عن الضرر الذي يلحق بالغير على أنه لابد حتى يتحقق ذلك من توافر الشرطين
التاليين:
: يجب أن يكون هناك اعتداء حال لا سبيل إلى دفعه إلا بإيقاع الأذى بالمعتدي.
- يجب أن يكون الإعتداء الموجه للمدافع عملا غير مشروع فلا يجوز دفعه بالمجرم الذي يطارده شرطي للقبض عليه، فلا يحث له مقاومة الشرطي بحجة الدفاع الشرعي.
الفقرة الثالثة: اثبات الخطأ
لكي يعلن عن مسؤولية الشخص عن فعله يجب إثبات أنه قد ارتكب خطأ، ويقع على عاتق المطالب بالتعويض أي المضرور أو ذوي حقوقه عبء الإثبات، ومن أجل ذلك يمكن اللجوء إلى كل طرف الإثبات فإذا أدي المتسبب في الضرر بأنه كان فاقدا لقوة الإدراك وقت حدوث الخطأ منه فإن إثبات ذلك يقع عليه.
وفي كل الأحوال يكون للقاضي تقدير قيمة الوسائل الإثبائية المستعملة و الأخذ بها أو رفضها بحسب الظروف المحيطة وبسبب المناقشة التي تجري بين الأطراف.

إرسال تعليق

أحدث أقدم