الضرر التقصيري والعلاقة السببية
تكلمنا في المقالة السابقة عن "الركن الأول الخطأ التقصيري", لقيام المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي, ولكن لبد لهذا الخطأ ان يترتب عن ضرر (الركن الثاني), وان تكون هناك رابطة بين الخطأ والضرر الا هي العلاقة السببية (الركن الثالث).
الركن الثاني : الضرر
الضرر هو الاذى الذي يصيب الشخص جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له, سواء تعلقت هذه المصلحة بشخصه أو ماله أو حريته أو شرفه, فلا يشترط أن يكون الحق حقا ماليا بل يكفي أن يكون حقا تكفل القانون بحمايته كالحق في الحياة مثلا أو الحق في العمل .
لا يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية وقوع الخطأ بل لابد أن يترتب على هذا الخطأ ضرر, فالضرر يعتبر الركن الثاني للمسؤولية التقصيرية بل يمكن القول بأن الضرر قوام المسؤولية المدنية لأنه محل الالتزام بالتعويض الذي ينشأ عن الانحراف في السلوك, لذا علق المشرع في الفصلين 77 و 78 تحقق مسؤولية مرتكب العمل الضار على وقوع ضرر للغيرء وعليه فإذا انتفى الضرر انتفت المسؤولية ولو كان الخطأ مؤكدا.
![]() |
الضرر التقصيري والعلاقة السببية |
والمضرور هو الذي يتحمل عبء إثبات الضرر و له في سبيل ذالك استعمال جميع طرق الإثبات لأننا بصدد إقامة الدليل على واقعة مادية, وهو أمر يستقل بتقديره قاضي الموضوع ولا يدخل تحت رقابة محكمة النقض .
الضرر نوعان ضرر مادي و ضرر معنوي:
الضرر المادي : هو الذي يصيب الإنسان في ذمته المالية كأن يتلف شخص متاعا أو مزروعات لآخر ويلحق عيبا بمنقول أو عقارا لغيره,وإما في جسمه (السلامة الجسدية) كجروح و رضوض يسببها سائق لأحد المارة.
الضررالمعنوي : هو الذي يصيب الإنسان في مصلحة غير مالية أو هو الألم الذي يصيب الشخص سواء كان ألما جسمانيا أو ألما نفسيا ترتب على المساس بعاطفته أو كرامته أو سمعته.
الضرر المرتد: (هناك من يعتبر نوعا ثالث وهناك من يعتبره نتيجة لضرر المادي او المعنوي ),هو الذي يلحق الغير نتيجة اصابة المضرور, وقد يكون ضرر ماديا مرتد أو معنويا مرتد ولبد من تحقق 3 شروط ليعتد بها وهي:
- اصابة المضرور الاصلي بضرر مباشر.
- ان يتضرر الغير نتيجة ضرر المضرور الاصلي.
- ان تكون هناك علاقة بين المضرور الاصلي والغير المضرور بتردي (غالبا اصوله وفروعه من درجة الأولى وفروعه).
خير مثال عليه هو الحادثة المميثة التي يموت فيها المضرور الاصلي المعيل للعائلة.
شروط الضرر:
يشترط في الضرر حتى يكون محلا للتعويض ثلاثة شروط :
ان يكون محققا, والضرر يعتبر محققا إذا كان حالا أي واقعا فعلا كأن يكون المضرور قد مات أو أصابه جرح في جسمه أو لحقه تلف في ماله وكذلك يعتبر الضرر محققا إذا كان من قبيل الضرر المستقبلي محقق الوقوع كأن يصاب شخص بإصابة تعطله عن العمل في الحال ويكون من المؤكد أنها ستؤثر على قدرته على العمل في المستقبل , فالتعويض في هذه الحالة يجب أن يشمل الضرر الحال والضرر الذي سيقع في المستقبل و يستطيع القاضي أن يقدر الضرر جميعه الحال والمستقبل , عندها يحكم بالتعويض الواجب كله دفعة واحدة , وقد لا يكون من المستطاع تقدير الضرر المستقبل في الحال لأنه يتوقف على أمر لم يتبين حقيقته بعد.
حينها يجوز للقاضي إما أن يحكم بالتعويض عن الضرر الحال, ويحفظ للمضرور الحق في أن يطالب بالتعويض عن الضرر المستقبل, وإما أن يؤجل الحكم بالتعويض حتى يتبين مدى الضرر كله الحال والمستقبل .
ان يطال الضررحقا أو مصلحة مالية للمضرور, فلا شك أن المساس بحق مهما
كان يتوافر به ركن الضرر, فإصابة شخص في جسمه أو إتلاف ماله, أو الإساءة إلى سمعته ضرر بغير شك, لكن قد يحدث الاعتداء لا على حق, وإنما على مصلحة مشروعة يحميها القانون فهذا يجب أيضا التعويض عن الإخلال بهذه المصلحة, فالقتل قد لا يصيب المضرور لكن قد يصيب شخصا كان يعوله فالضرر يتحقق هنا ويحقق له المطالبة بالتعويض.ان تكون المصلحة مشروعة أي مصلحة يحميها القانون كنفقة الزوجة مثلا.
الركن الثالث : العلاقة السببية بين الخطأ والضرر
لا يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية أن يكون هناك خطأ من جهة وضرر من جهة أخرىء بل لا بد أن يكون الخطأ الذي ارتكبه المسؤول هو السبب في الضرر الذي أصاب المضرور.
العلاقة السببية تتجاذبها ثلاث نظريات :
نظرية تكافؤ الأسباب : فاذا اشتركت عوامل عدة في احداث الضرر فأنه يتعين اعتبار كل العوامل متعادلة او متساوية في احداث الضرر بانها جميعا ساهمت في وقوع الضرر, أي لولاها لما وقع الضرر .
نظرية السبب المنتج : وتنكر هذه النظرية فكرة تعادل الاسباب بل نجد أصحابها يميزون بين الاسباب العارضة والاسباب المنتجة ويقفون عنده الثانية دون الاولى ويعتبرونها وحدها السبب في احداث الضرر, واذا احتّج عليهم بأن كلا من السبب المنتج والسبب العارض كان له دخل في احداث الضرر, يجيبون بأن السببية بهذا المعنى هي السببية الطبيعية ونحن انما نبحث عن السببية القانونية فالسبب المنتج وحده المتسبب في الضرر وليس جميع الاسباب العارضة .
نظرية السبب القريب : أي القريب زمنيا من الضرر, فذاك هو الضرر المعتبر.
نتائج قيام رابطة العلاقة السببية بين الخطا و الضرر
أولا : الضرر المباشر وحده الذي يجب التعويض عنه
قد يرتكب شخص فعلا يفضي إلى سلسلة من الأضرار يعقب بعضها بعض, لنفترض أن شخصا ترك بقرة له ترعى في أرض جاره حيث كانت أبقار الجار ترعى هي الأخرىء وكانت هذه البقرة موبوءة فانتقلت العدوى إلى أبقار الجار, فماتت جميعها, فلم يستطع صاحب هذه الأبقار من زراعة أرضه. فاحتاج إلى المال فاستقرض ولم يتمكن من سداد الدين في الاستحقاق فحجز الدائن أرضه وباعها بثمن بخس ؛ فهل يسال صاحب البقرة عن كل هذه الأضرار؟ اختلفت الآراء لكن المشرع المغربي سار في اتجاه اعتبار الضرر المباشر فقط أما الاضرار الاخرى فلا اعتبار لها.
انتفاء العلاقة السببية:
1- خطأ المضرور : قد يكون الضرر الذي لحق بالمضرور نتيجة خطأ المضرور وحده.
ويكون هذا الضرر نشأ عن خطأ الطرفين المضرور من جهة والمدعى عليه من جهه ثانية, فعلينا إذن أن نبحث في هاتين الفرضيتين :
- فرضية خطأ المضرور وحده : قد يحصل أن يثبت المدعى عليه, أن الضرر الذي يدعى به هو من فعل المضرور نفسه كما لو حاول شخص أن يركب القطار أثناء سيره فتزل قدمه فيسقط ويصاب بجروح ورضوض, ففي مثل هذه الحالة لا مكان للمسؤولية التقصيرية إذ المضرور هو الذي ألحق الضرر بنفسه.
- فرضية الخطأ المشترك : قد ينشأ الضرر عن خطأ المدعى عليه ففي مثل الحالة فان
اشتراك المضرور بفعله في إحداث الضرر الذي أصابه لا يترتب عليه عدم مساءلة المدعى عليه الذي ثبت خطؤه, وإنما توزع المسؤولية بين الطرفين بحسب جسامة الخطأ الذي صدر من كل منهما.
2- القوة القاهرة أو الحادث الفجائي :
القوة القاهرة أو الحادث الفجائي بمعنى واحد عند جمهور الفقهاء, ولتوافر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي يجب توافر الشروط الثلاث التالية :
الشرط 1 : يجب أن يكون الحادث أمر لا يمكن توقعه كالزلزال والفيضان .
الشرط 2 : يجب أن يكون الحادث مما يجعل تفادي الضرر أمرا مستحيلا لا يستطاع دفعه, والمقصود هنا الاستحالة المطلقة, فإذا كانت استحالة الدفع نسبية قاصرة على المدين فلا يعفى من المسؤولية.
الشرط 3 : يجب أن لا يكون هناك خطأ من جانب المسؤول أدى إلى وقوع الحادث إذ أن هذا الخطأ يفقد الحادث وصف القوة القاهرة أو الحادث الفجائيء إذا كانت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي السبب الوحيد في وقوع الضرر فان العلاقة السببية بين الخطأ والضرر تكون مفقودة وبالتالي لا تتحقق المسؤولية, أما إذا اشتركت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مع الخطأ من المدعى عليه في إحداث الضرر كان المدعى عليه مسؤولا مسؤولية كاملة لان خطأه هو الذي يعتبر السبب في وقوع الضرر.
3 - خطأ الغير
الغير هو كل شخص غير المتضرر وغير المدعى عليه ومن يتبعه أو يخضع لرقابته، فإذا أثبت المدعى عليه في دعوى المسؤولية أن الضرر كان بسبب خطأ شخص من الغير وحده و أنه كان يستحيل توقعه أو دفعه، انتفت المسؤولية عنه باعتبار أن الخطأ أجنبي عنه واعتبر الغير مسؤوال وحده.
لكن إذا كان بجانب خطأ الغير خطأ المدعى عليه، فإن كلاهما إذا أدخال في الدعوى يعد مسوؤلا عن تعويض الضرر.
وفعل الغير لا يعتبر سببا أجنبيا عن المدعى عليه إلا إذا كان ذلك الغير من غير الألشخاص الذين يسأل عنهم المدعى عليه فإذا كان تابعا له أو كان خاضعا لرقابته، فلا يكون للخطأ الصادر عنه اثر على مسؤولية المدعى عليه.
جزاك الله خيرا
ردحذف