أسس البحث العلمي في علم السياسة
المبحث الأول:أسس البحث العلمي.تشير أسس البحث العلمي إلى مجموعة من القواعد والشروط والضوابط التي تندرج ضمن أسس البحث العلمي فهي تبدأ من الملاحظة وجمع المعلومات.
وتصنيف تلك المعلومات وتبويبها وتكوين عموميات وذلك على صورة قوانين يبرزها تحليل المعلومات المتاحة وهذا يقتضي بالضرورة المراجعة والتأكد مما سبق من معلومات والهدف من ذلك هو التوصل إلى علاقات واستنباط علاقات، البحث في السبب والنتيجة بحيث يتمكن الباحث من التنبؤ والتحكم و هذا يمكن إدراكه من واقع العموميات والقوانين التي يتوصل إليها الباحث. أما الهدف النهائي فهو تطوير نظرية تضم بين طياتها القوانين المتعددة التي تم التوصل إليها في كيانات واحدة أو يمكن أن تكون مدلولا لمنهجية معينة لمعالجة المشكلات و بحث الظواهر سعيا وراء الحقيقة دون أن يتطلب الأمر بالضرورة إمكان التوصل إلى قوانين محدودة تحكم هذه الظواهر والمشكلات. وأخيرا يمكن القول بأن المعنى الثاني أكثر تطبيقا على دراسة علوم السياسة.
المبحث الثاني: خطوات البحث العلمي
الضرورة تقتضي عند القيام بأي تحلیل سیاسي مبني على أسس المنهاج العلمي يلزم إتباع الخطوات التالية بشكل متسلسل من الناحية الزمنية مكملة الواحدة منها
الأخرى مع اختلاف هدف كل خطوة وتبدأ أولى هذه الخطوات في إعداد خطة للبحث وهي تشمل نظرة شاملة عامة لكل الموضوع. ويمكن أن تكون الخطة في
البداية ( خطة عامة ، أولية ) تحمل خطوط عامة وفق جمع المعلومات والتأكد من المصادر تتحول بعدها إلى خطة نهائية ومحدودة. وتأتي الخطوة التالية بجمع
المعلومات المتعلقة بالبحث وترتيبها وتصنيفها حسب أهميتها وحسب تسلسلها التاريخي وبعدها يتم تحليل الموضوع تحلية علمية مسترشدين بأحد المناهج العلمية وهذا التحليل يجب أن يكون واقعية موضوعية ويلي ذلك تفسير الظاهرة أو المشكلة
محل البحث و ختاما لهذه الخطوات يتم بناء النظرية. ويرتبط بهذا الخطوات الإجابة عن أسئلة متعددة أهمها : ما هي المشكلة المراد بحثها؟ أو بمعنى آخر تحديد
المشكلة مثار البحث وكيف يمكن إجراء البحث والقيام به ؟ و يتطلب الإجابة عن هذا السؤال بحث الإمكانيات المادية وغير المادية المتاحة ، ثم وضع إستراتيجية و
تخطيط شامل للبحث وخطواته المتتالية.
المبحث الثالث: منهاج البحث العلمي.
إذا كان المراد بالمنهج مجموعة الطرق المؤدية للكشف عن الحقيقة بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحديد عملياته حتى تصل إلى نتيجة معينة. فعليه هناك العديد من الطرق والمسالك و المناهج الدراسة وتحليل الظواهر السياسية و مها :
أ. المنهج التاريخي : يهتم هذا المنهج بالمعلومات التاريخية والوقائع و السجلات كمصادر أساسية لبياناته. ويستخدم هذا المنهج الوقائع التاريخية في الاستدلال على تفسير الظواهر السياسية ، أي أن التاريخ يستخدم كتجارب يمكن الاستعانة بها في
مختلف الدراسات السياسية ، ويقوم هذا المنهج على إدخال عامل الزمن في جميع مقومات التحليل حيث يهتم هذا المنهج بتتبع الظاهرة السياسية في مرحلة محددة بملاحظات التغييرات التي تطرأ عليها و يسعى في الوقت نفسه لوضع الخطوط العامة لتطورها ومستقبلها. والمنهج التاريخي قديم قدم كتابات أرسطو الذي ذهب ( إلى أن فهم الشيء يتطلب فحص بداياته الأولى وتطوراته اللاحقة). لاقى هذا المنهج انتشارا في الآونة الأخيرة عن طريق كتابات سيلي Seeley و لاسكي Leski وقد ذهب (سير فريدريك بولوك ) أن المنهج التاريخي يسعى إلى تقسيم النظم المختلفة في وجودها الواقعي واتجاهاتها ويزودنا بالمعرفة حول أصولها، وتطوراتها المتوقعة ولهذا فإن هذا المنهح يزود دارسي السياسة باستبصارات حول
أحداث الماضي السياسية، وعلى الرغم من هذه الأهمية هذا المنهاج فقد وجهت انتقادات يلخصها (سيدفيك ) بالقول ( إنني لا اعتقد أن المنهج التاريخي هو الذي يستخدم أساسا في محاولاتنا للتوصل إلى حلول منطقية لمشكلات الحياة السياسية الملموسة ).
ب. المنهج الفلسفي : الفلسفة هي البحث في طبيعة الواقع مع الاهتمام بالعلاقة بين الإنسان والكون وبما أن الفلسفة تزودنا باستبصارات حول هذه العلاقة فهي
تفيد في الدراسات السياسية فعن طريقها تكتسب توجيها محددة في الموضوعات،وهذا النوع من التأمل الفلسفي له أهميته في حد ذاته فهو عظيم الفائدة بالنسبة لعلم السياسة لأنه يحدد ويوضح المشكلات التي تحتاج إلى البحث، ويقدم لنا الحلول وفي سعيه هذا يعتمد على الفلسفة المثالية وهذا المنهج يتخذ له مكانة في ( تاريخ الفكر السياسي ) يتمحور هذا المنهج على افتراض وجود وضع مثالي يجب العمل على تحقيقه وتدرس مختلفة الظواهر والأحداث السياسة و تحاول تفسيرها في ضوء هذا النموذج. وهنا بدأت تظهر أهمية المنهج الفلسفي ومع ذلك فهناك نقاط ضعف لعل أبرزها أنه يؤسس نتائج عامة على مقدمات غير محققة أو بدیهیات یسلم بها تسليما.
ج. المنهج المقارن : تذهب أغلب الدراسات السياسية في بحثها إلى المقارنة وهي في سعيها هذا سوف تعتمد بالضرورة على هذا المنهج لإثبات بعض النظريات
السياسية والوصول إلى قواعد عامة حيث يمكن أن تكون صالحة لكل زمان ومكان وذلك عن طريق فحص نیازج وأناط سواء أكانت تاريخية أو معاصرة من
المجتمعات السياسية ومقارنتها ببعضها البعض بواسطة قيام الدراسة بعمليات التحليل اللازمة لاكتشاف المبادئ العامة السياسية. و يعتبر أرسطو رائدة في هذا
السياسية والوصول إلى قواعد عامة حيث يمكن أن تكون صالحة لكل زمان و مکان وذلك عن طريق فحص نماذج وأناط سواء أكانت تاريخية أو معاصرة من
المجتمعات السياسية ومقارنتها ببعضها البعض بواسطة قيام الدراسة بعمليات التحليل اللازمة لاكتشاف المبادئ العامة السياسية. و يعتبر أرسطو رائدة في هذا
المجال حيث درس وقارن وحلل ما يزيد على ثلاثة وستین دستور للمدن الإغريقية وكانت أول مبادرته بهذا الصدد عندما نقل الدراسة العلمية المقارنة على الحيلة السياسية ، وذلك عندما قارن بين أنواع الحيوان و أنواع الدول وكان لكل من الفارابي وابن خلدون وميكافلي ومونتسكيو إسهام ملحوظ في هذا المجال ويمكن القول أخيرا بأن هذا المنهج هو امتداد للمنهج التاريخ الذي يسعى إلى اكتشاف قوانین عامة و نتائج مستخلصة من دراسة الأحداث الماضيوالحاضرة.
د. المنهج السلوكي : ينطلق هذا المنهج في رفضه أن يكون النظام السياسي وحدة للتحليل السياسي ، وعلى العكس يعتمد هذا المنهج في دراسته على السلوك السياسي کوحدة للتحليل السياسي، وأن التحليل هذا خاضع للملاحظة والمراقبة الميدانية في ذلك بالأدوات المستخدمة في الدراسات النفسية وهو يركز على
سلوكية ويكون علم السياسة تبعا لذلك هو علم السلوك السياسي ويرتبط هذا أوثق الارتباط بعلم النفس الاجتماعي حيث يعطي أعظم الاهتمام لتفاعل الفرد مع الآخرين داخل الجماعة وعملية الاتصال داخل الجماعات والأدوار والقيم الاجتماعية والاتجاهات والقيادة ودورها. ويحاول هذا المنهج دراسته تلك معرفة الدوافع التي دفعت هؤلاء أو مؤسسة من المؤسسات إلى تبني سياسات معينة لذلك يحاول رواد هذا المنهج الربط بين طبيعة الشعوب وطابعها القومي من جهة وسياساتها وقراراتها من جهة أخرى.