هل للقانون قيمة حقيقية؟

هل للقانون قيمة حقيقية؟

 من الواضح أننى أعتقد أن للقانون هذه القيمة. ولكن هل يمكننى تبرير هذا الاعتقاد؟ أو هل يمكن كما تتجه رؤية بعض الماركسيين أن يوجد مجتمع يتصف بالانسجام على نحو لا يحتاج معه إلى قيام الدولة وسن قانون؟ وهل يحتاج المجتمع الذى يخلو من الطبقية أو المجتمع الذى يتكون من أفراد يتسمون بالرقى الفكرى والشعور المرهف إلى قانون؟
يبدو لى أن الإجابة على هذا التساؤل تكون بالإيجاب, فالمجتمع يفيد من وجود القانون. وحتى فى المجتمعات التى تخلى من الطبقية فالأمر لا يخلو من وجود بعض الأفراد الأنانيين بها. كما يختلف أرقى المفكرين فى نظراتهم الأخلاقية ويحتاجون متلنا إلى دليل
يرشدهم فيما يتصل بسلوكهم. وربما لا يتجه هؤلاء إلى السرقة ولكنهم فى حاجة لمن يزودهم بمعلومات عن ماهية الملكية. وربما يلتزمون بتجنب تلويث بيئتهم, غير أن الحاجة تنشاً لوجود من يقرر أفضل السبل لمكافحة التلوث ولتنسيق الجهود لتنفيذها. فلا مفر من قيام السلطة وبالتالى القانون.

هل للقانون قيمة حقيقية؟

ويعد تنظيم المجتمع على أساس من الضغط والاحترام الاجتماعيين بديلاً لاستخدام القانون لتنظيم المجتمع ‏ ومثال ذلك مشاعر الاحترام والتقدير التى توجه لقائد يمتلك جاذبية خاصة. ويبدو من استقراء التاريخ أن المجتمعات التى تضع حدوداً لكل ما هو خارج عما يقبله المجتمع على هذا الأساس هى مجتمعات بائسة. فنحن فى حاجة, إذا ما أردنا أن نحقق تقدماً, إلى الحماية من الضغوط الاجتماعية؛ حتى تلك التى يمارسها الأهل والأصدقاء. كما أن أكثر القادة موهبة واتجاهاً لحسن النوايا يخضع بمرور الوقت لإغراء
السلطة إذا لم تتوافر قيود لاستخدامه إياها. ولا يعنى ذلك الانتقاص من عاملى الضغط الاجتماعى أو جاذبية الزعماء, ولكن يعنى الحاجة إلى قانون يضع القيود التى تبقى هذين العاملين فى حدودهما فلا يتجاوزاها.
إن الحاجة لوجود قانون تتمثل فى الحاجة إلى توجيه أفعالنا, وفى ضمان استقرار الترتيبات الخاصة ما بين الناس, وفى وضع قيود على إساءة استخدام الحكام لسلطاتهم. ولذلك يتكون جانب من النظام القانونى الذى يتميز بدقة الصياغة من مجموعة من الأوامر يساندها التهديد باستخدام القوة. وتفصل هذه الأوامر بعض ما تدعو إليه الأخلاق وتتطلبه العدالة على وجه الخصوص. كما يتكون النظام القانونى من وعود باحترام حقوق الشعب بالإضافة إلى ضمانات إيجاد التدابير إذا انتهكت هذه الحقوق, كما أنه يضع بعض القيود على سلطات الحكومة.
ولما كان النظام القانوني الجيد عليه أن يترك بعض الأمور معلقة فى الوقت ذاته, فمن الخطأ أن نتصور أن القانون هو أساساً نظام للتهديد تسانده القوة, أو أنه أساساً وسيلة لوضع الأخلاقيات موضع التنفيذ, أو أنه أساساً وسيلة لإعطاء كل ذى حق حقه.
فكل هذه الاتجاهات تخطئ بتصويرها الجزء على أنه الكل. فما يميز النظام القانوني الجيد هو تحقيقه التوازن ما بين الوعد والوعيد, وكذا بين النواحى الأخلاقية التى يتعين على الدولة تطبيقها وتلك التى يمكن أن تترك لضمير الأفراد. كما يجب أن يسعى القانون
للتوفيق بين القيم المختلفة بما يسمح للناس الذين يختلفون فى أولوياتهم الأخلاقية والسياسية والاجتماعية بالحياة معأ فى أمن وسلام. وإننى أرى أن السعى لتحقيق هذا التوازن هو العنصر الجوهرى لأفضل القوانين وبالطبع فإن النظم القانونية الرديئة توجد إلى أيامنا هذه وستواصل وجودها . غير أننا نكون أفضل حالاً فى ظل نظام قانونى يضم بعض القوانين السيئة التى نجد أن عصيانها يتفق مع الحس الأخلاقى؛ بالمقارنة باقتصار نظام مجتمعنا (ولوكان جماعة صغيرة) على الضغط الاجتماعى أو جاذبية الزعيم وحدهما . ويجدر الملاحظة أنه فى أسواً الأنظمة الديكتاتورية ‏ كالنظام النازى ‏ لا تعتمد أسوأ الأعمال الوحشية فى العادة على أى قانون. إذ يبدو أن الطغاة كثيراً ما يخجلون مما يأتون من أفعال فلا يجترئون على تقنينها. فلم تعتمد أحداث المحرقة (الهولوكوست). على سبيل المثال على قانون.

توني أونوريه-أراء حول القانون



إرسال تعليق

أحدث أقدم