نموذج لنازلة في مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع


     نموذج لنازلة في مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع

تتأطر هذه النازلة ضمن القانون المدني، المتمثل في قانون الالتزامات والعقود الذي نظم المسؤولية المدنية، التي تعني مؤاخذة كل شخص عن الأفعال التي يرتكبها، وذلك بجبر الضرر، كما أن هذه المسؤولية تنقسم إلى نوعين هناك المسؤولية العقدية التي يكون أساسها الإخلال بالتزام تعاقدي، في حين النوع الثاني يتعلق بالمسؤولية التقصيرية التي يكون أساسها بإخلال ناتج عن عدم التقيد بقواعد الحيطة والحذر في السلوكات، ومادامت هذه النازلة ترتبط بالمسؤولية التقصيرية التي خصص لها قانون الالتزمات والعقود الباب الثالث من الكتاب الأول الذي عنونه بالالتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم.
وتتفرع عن  المسؤولية  التقصيرية عدة أنواع، تختلف باختلاف مرتكب هذه الأفعال وكذا الأشياء التي كانت سببا في حصول الضرر، ونازلة الحال تندرج ضمن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، باعتبارها مسؤولية تقوم على فعل الغير.
   وتتلخص وقائع هذه النازلة في أن أحمد أجير لدى السيد جلال يشغل مهمة سائق سيارة لدى مشغله، الذي أصاب أحد المارة بكسر على مستوى اليد اليمنى والرجل اليمنى مما ترتب عن ذلك أضرار مادية كبيرة، التي على إثرها نقل إلى المستشفى لتلقي العلاجات حيث إن الطبيب قد سلمه شهادة طبية تثبت مدة العجز.
  وتثير هذه النازلة مجموعة من الإشكالات من قبيل، ما هو الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية؟ وما هي شروط تطبيق هذه المسؤولية؟ وما هي الآثار المترتبة عنها؟
   وللإجابة عن هذه الإشكالات تقتضي مني إتباع التصميم التالي:
المطلب الأول: الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع
المطلب الثاني: شروط مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع
المطلب الثالث: الآثار المترتبة عن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع
        
     نموذج لنازلة في مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع
          

المطلب الأول: الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع
     يقصد بالأساس الذي تقوم عليه مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، هو ذلك التحديد الذي أعطاه المشرع لهذا النوع من المسؤولية، بحيث إن القانون هو من يحدد مصدر الأفعال التي يقوم بها الأشخاص، وكذا خضوعها لنظام معين.
    وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد نظم مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع في قانون الالتزامات والعقود، من خلال الفصل 85 منه، ولا سيما الفقرة الثالثة التي أكد فيها على مسؤولية المخدمون ومن يكلفون غيرهم في القيام ببعض المهام التي تتعلق بهم، يساءلون عن الأضرار التي يلحقها خدامهم أو مأمورهم في الحالة التي يؤدون فيها تلك المهام المسندة إليهم من قبل مشغلوهم، وذلك بالحلول محل الأجراء في أداء التعويض للمتضررين.
    ومما تجب الإشارة إليه أن هذه المسؤولية لقد عرفت مجموعة من النظريات الفقهية، التي تطرقت إلى الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، حيث نجد من تبنى نظام الخطأ المفترض في حين نجد بعض الفقهاء تبنوا نظرية تحمل تبعة المخاطر، وهناك من أسس هذه المسؤولية على أساس نظرية الضمان، بالإضافة أن هناك من تبنى نظرية التمثيل القانوني.
  ويرى أنصار نظرية الخطأ المفترض على أن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع تقوم على أساس الخطأ المفترض في جانب الطرف الذي يستفيد من هذه العلاقة والذي يتمثل في المخدوم، ومؤداها أن الخطأ المنسوب إلى المتبوع كان ناتجا عن إساءة اختيار تابعه، الأمر الذي أدى إلى الحيلولة دون بسط رقابته على تصرفات التابع.
أما أنصار نظرية تحمل تبعة المخاطر فيرون أن هذه المسؤولية تقوم على أساس أن المتبوع هو من يجني ثمار خدمات مأموره، وبالتالي فإذا كان يستفيد من خدمات تابعيه فإنه في المقابل وجب على هذه المتبوع أن يتحمل المخاطر التي يحدثها الأشخاص الذين يكلفهم برعاية مصالحه.
   في حين أن أنصار نظرية الضمان يرون بأن المتبوع هو ضامن لنتائج الأضرار التي يتسبب فيها خدامه، وخاصة عندما يستعصي على هؤلاء أداء التعويض للمتضررين نظرا لعسرهم، مما يؤدي إلى أداء هذا التعويض من قبل مشغليهم الذين يتوفرون على الملاءة وبالتالي القدرة على دفع التعويض لفائدة المتضررين.       
  وإضافة إلى النظريات السابقة، نجد نظرية النيابة أو التمثيل القانوني التي يرى أنصارها أن الخادم ما هو إلا نائب عن المخدوم الذي يملك سلطة توجيه الأوامر إلى الأول الذي يجب عليه الامتثال لتوجيهات مشغله، وبالتالي فإن خطأ التابع هو بمثابة خطأ المتبوع .
   وانطلاقا من النظريات السابقة التي تطرقنا إليها باختصار، نجد المشرع المغربي قد تبنى نظرية الخطأ المفترض باعتبارها كأساس تقوم عليه مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، التي تهدف إلى توفير حماية أكبر للمتضرر  من أجل الحصول على التعويض، غير أن تحقق هذا النوع من المسؤولية يستلزم توفر مجموعة من الشروط.
المطلب الثاني: شروط مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع
  تتطلب مسؤولية المتبوع عن التابع توفر مجموعة من الشروط، حيث تستدعي أن تكون هناك علاقة التبعية بين المتبوع والتابع(الفقرة الأولى) بالإضافة إلى ذلك أن يحدث التابع الضرر للغير أثناء تأدية العمل أو بسببه(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وجود علاقة التبعية بين المتبوع والتابع
  يقصد بعلاقة التبعية توفر المتبوع على سلطة إصدار  الأوامر للتابع وتوجه التعليمات والإشراف التي يمارسها على تابعه أثناء مزاولته لعمله، وهذه العلاقة هي التي تميز علاقة التابع بالمتبوع عن غيرها من النظم المشابهة لعلاقة المشغل بالأجير.
  وتجدر الإشارة إلى أن هذا الشرط تم التنصيص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود ، التي أكدت على ضرورة وجود هذه العلاقة بين المخدوم والخادم لكي تتحقق مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع.
   وفي نفس السياق نجد القضاء أكد في العديد من الأحكام والقرارات القضائية على ضرورة وجود علاقة التبعية بين المتبوع والتابع، وفي هذا الإطار جاء في أحد القرارات ما يلي" لما اعتبر القرار المطعون فيه أن العلاقة الرابطة بين الطرفية هي علاقة شغل اعتمادا على الأجر دون أن يبرز بقية العناصر من إشراف وتوجيه ورقابة يكون ناقص التعليل الموازي لانعدامه.
   ومما لا شك فيه أن التبعية ليست على صنف واحد، بل هي متعددة ومتنوعة، فهناك التبعية القانونية، التي تتمثل في تلك السلطة الممنوحة للمشغل في توجيه تعليمات إلى الأجير، وكذا سلطة توقيع العقاب على التابع، في حين هناك التبعية الفنية، التي تلزم التابع بالخضوع لأوامر المتبوع أثناء تنفيذ عمله، من خلال تحديد طريقة العمل والإشراف عليها، بالإضافة إلى ذلك نجد التبعية الإدارية التي تتمثل في قيام المتبوع بإدارة العمل وتنظيمه كطريقة تحديد أوقات العمل وتوزيع العمل بين التابعين، فضلا عن التبعية الاقتصادية، التي تتمثل في أنه لا يتطلب بالضرورة لقيام علاقة المتبوع بالتابع خضوع هذا الأخير لتوجيه وإشراف المتبوع، وإنما تكون موجودة ولو في ظل غيابها، على اعتبار أن هذه العلاقة ثابتة بمجرد وجود العنصر الاقتصادي، أي بمجرد أن يؤدي المشغل أجرا للأجير، وهذا ينطبق ببعض الوظائف التي يقوم بها الأجير لفائدة مشغله.
    وانطلاقا مما سبق فإن المشرع المغربي قد تبنى نظرية التبعية القانونية كقاعدة عامة، أما التبعية الاقتصادية فهي استثناء من القاعدة العامة، مع العلم أن اعتماد التبعية الاقتصادي يقتضي بالضرورة وجود نص قانون ينص على التبعية الاقتصادية، وبالتالي فإن المتبوع لكي يسأل عن الأضرار التي يحدثها التابع لا بد وأن توجد بينهما علاقة التبعية.
  
الفقرة الثانية: ارتكاب الفعل المحدث  للضرر من قبل التابع أثناء تأدية العمل أو بسببه
    يقتضي هذا الشرط لكي تتحقق مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، أن يصدر الخطأ من التابع وأن يكون وقوع هذا الخطأ أثناء أداء العمل، بحيث تشترط هذه المسؤولية أن يصدر عن التابع خطأ يحدث ضررا للغير أثناء أداء العمل المكلف به من قبل المتبوع، ويترتب عن ذلك أن كل فعل ارتكبه الخادم خارج نطاق العمل المعهود إليه متجاوزا في ذلك هذا العمل، إذ في هذه الحالة لا يتحمل المتبوع المسؤولية عن التابع، غير أنه تكون مسؤولية المتبوع قائمة في الحالة التي يرتكب فيها التابع خطأ يتسبب في ضرر للغير إذا كان ذلك الخطأ له علاقة بإنجاز العمل المسند إليه من قبل المتبوع، على اعتبار أنه لولا هذا العمل لم تم ارتكاب ذلك الفعل الذي ألحق ضررا بالغير
    وهذا ما أكدت عليه بعض القرارات القضائية التي أكدت على هذا الشرط ، حيث جاء في أحد القرارات ما يلي" أن المخدوم يسأل عن الفعل الضار عن أحد خدامه إذا كان الفاعل قد ارتكب هذا الفعل أثناء القيام بالوظيفة أو بسببها "
 وتطبيقا لذلك فإن مساءلة المتبوع عن أعمال التابع تقتضي بالضرورة أن يرتكب التابع خطأ يتسبب في ضرر للغير أثناء أداء العمل أو بسببه، بحيث إما أن يرتكب ذلك الضرر أثناء أداء العمل أو أن يكون ارتكاب ذلك الخطأ له علاقة بالعمل المسند إلى التابع ولو لم يكن في فترة أداء العمل لكنه له ارتباط به.
  
المطلب الثالث: الآثار المترتبة عن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع 
    تترتب عن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، إمكانية رفع دعوى من قبل المتضرر للحصول على التعويض، لكن هذه الدعوى قد ترفع ضد التابع باعتباره المسؤول الشخصي عن ذلك الفعل،كما يمكن رفعها ضد المتبوع باعتباره المسؤول عن تصرفات تابعيه.
     فأما بخصوص الحالة الأولى، فإن المتضرر يرفع الدعوى في مواجهة التابع باعتباره المسؤول المباشر على الضرر الذي لحق بالمتضرر، إلا أن سلوك المدعي هذا الطريق تجعله يواجه مجموعة من الصعوبات، من قبيل أن المتضرر يلزم بضرورة إثبات الخطأ الشخصي للتابع تطبيقا للفصل 77 و78 من قانون الالتزامات والعقود بدلا من الفصل 85 من نفس القانون، وإذا ما استطاع المتضرر  إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما في جانب المسؤول المباشر، فقد يتفاجأ بعدم قدرة هذا التابع على أداء التعويض نظرا لعسره، مما يؤدي إلى حرمانه من الحصول على التعويض لجبر الضرر اللاحق به.
في حين أن الحالة الثانية تتمثل في رفع الدعوى من قبل المتضرر في مواجهة المتبوع باعتباره مسؤولا عن ذلك الخطأ باعتباره ضامنا لنتائج أفعال التابع لأن المتبوع لم يحسن اختيار التابع، وبالتالي فإن المتضرر غالبا ما يرفع الدعوى في مواجهة المتبوع لأنه أولا سيتحلل المتضرر من إثبات الخطأ في مواجهة المتبوع على اعتبار أن المشرع المغربي قد جعل مسؤولية هذا الأخير مفترضة بقوة القانون، ولا يبقى للمتبوع للتحلل منها إلا بإثبات السبب الأجنبي من قبيل القوة القاهرة والحادث الفجائي، إضافة إلى ذلك أن المتبوع يكون موسرا مما يجعله يؤدي التعويض للمتضرر، مقارنة بالتابع الذي يستعصي عليه أداء التعويض نظرا لعسره وعدم توفره على الملاءة الكافية لذلك، مع العلم أن المتضرر قد يدخل المتبوع والتابع في دعوى واحدة.
وانطلاقا مما سبق فإن لجوء المتضرر إلى متابعة التابع تجعله يتعرض لمجموعة من المشاكل سواء القانونية أو الواقعية، وبالتالي لكي يتجاوز ذلك عليه أن يرفع الدعوى في مواجهة المتبوع باعتبار الطريق الأنسب للمتضرر لا سيما توفر كل الضمانات التي تجعله يحصل على التعويض، كما أن متابعة المتبوع ستعفي المتضرر من الإثبات، لذلك من الناحية العملية نجد المتضرر يلجأ إلى رفع دعوى في مواجهة المتضرر.

خاتمة
     وصفوة القول إن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع تندرج ضمن المسؤولية القائمة على فعل الغير، التي تقوم على أساس الخطأ المفترض، كما أن هذه المسؤولية لا تتحقق إلا بتوفر مجموعة من الشروط، والتي تتمثل في ضرورة وجود علاقة التبعية بين المخدوم والخادم، بالإضافة إلى أن ارتكاب الخطأ المحدث للضرر يجب أن يكون أثناء أداء العمل أو بسببه، وبتوفر هذان الشرطان تقوم مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع التي تخول للمتضرر إمكانية رفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض، وغالبا ما تكون في مواجهة المتبوع، بحيث إن هذا الطريق يعفي المتضرر من مسألة إثبات الخطأ وكذا الحصول على التعويض نظرا ليسر المتبوع. علما بأن النازلة المعروضة علينا قد توفرت فيها كل الشروط مما يؤدي إلى مساءلة السيد جلال باعتباره المخدوم عن أفعال السيد أحمد باعتباره الخادم لأن الضرر الذي تسبب فيه هذا الأخير كانت له علاقة بالعمل المكلف به من قبل المخدوم.
وإذا كانت مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع التي تقوم على أساس الخطأ المفترض في جانب المتبوع، وتتطلب الشروط السابقة، فهل باقي المسؤوليات الأخرى التي تقوم على فعل الغير تعتمد نفس الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع؟ وهل هذه المسؤوليات تتطلب نفس شروط هذه المسؤولية؟ وهل تشترك مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع مع باقي المسؤوليات في مسألة وسائل دفع المسؤولية عن المسؤولين؟.

1 تعليقات

أحدث أقدم