مدى حرية العاقد في إنشاء العقود في الفقه الإسلامي
1-
تمهيد:
الرأي الصحيح في الفقه الإسلامي هو أن
الأصل في المعاملات من عقود وشروط هو الإباحة والحرية لا الحظر والمنع فهي
كالعادات من هذه الناحية، ونعرض فيما يلي آراء الفقهاء في هذه المسألة بادئين
بالذين ذهبوا إلى أن الأصل في العقود والشروط هو الحظر وهؤلاء على درجات، فأشد
الناس في هذه المسألة هم أهل الظاهر ويليهم الشافعية ثم يأتي بعد ذلك الحنفية
الذين قالوا بقاعدة الحظر ولكنهم تخففوا وفتحوا باباً واسعاً للعقود والشروط عن
طريق العرف، ثم يأتي بعد ذلك الموسعون في العقود والشروط وهم طائفتان المالكية
والحنابلة ثم يأتي في النهاية الذين قالوا صراحة بأن الأصل هو الحرية والإباحة وهم
شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة والإمام الشاطبي من المالكية.
المطالب الأول مذهب المتشددين في قاعدة الحظر
8- رأي أهل الظاهر:
من المعروف أن أهل الظاهر يقفون عند
ظواهر النصوص والآثار ولا يبحثون في علل الأحكام ويرفضون القياس مهاجمين الآخذين
به، ولهذا لم يكن مستغرباً ألا يعترفوا إلا بالعقود والشروط التي نص عليها الشارع
وما عدا ذلك فهي محرمة عندهم. ويرى ابن حزم([2]) أن كل شرط لم يذكر في العقد حين عقده لا
يؤثر على العقد فالعقد صحيح والشرط باطل وأما إذا ذكر الشرط حال العقد فالعقد باطل
مفسوخ والشرط باطل مهما كان الشرط إلا سبعة شروط فقط فإنها لازمة والعقد صحيح إن
اشترطت فيه لأن هذه الشروط ورد بها النص وهذه الشروط السبعة هي:
·
أولًا: اشتراط الرهن فيما تبايعه المتعاقدان إلى أجل مسمى والدليلقوله
تعالى: ﴿وَإِنْ
كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: 283].
·
ثانياً: اشتراط أداء الثمن إلى الميسرة وإن لم يحدد أجلاً والدليل قوله
تعالى: ﴿وَإِنْ
كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة: 280].
ثالثاً: اشتراط تأخير الثمن إلى أجل مسمى
إن كان ذهباً أو فضة والدليل قوله تعالى: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282].
رابعاً: اشتراط صفة في المبيع يتراضيان
عليها ويتم البيع على أساس تلك الصفة لقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ
تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
وقال: إن التراضي لا يكون إلا على صفات
المبيع وصفات الثمن ضرورة.
خامساً: اشتراط أن لا خلابة لقوله تعالى e لحبان بن منقذ – وكان يغبن في العقود: «إذا تبايعت فقل لا خلابة ثم إنك بالخيار ثلاثة أيام»
([3]).
سادساً: اشتراط المشترى لنفسه ثمر النخل المؤبر وذلك لما رواه عبد الله بن عمرو عن أبيه أن
الرسول e
قال: «من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن
يشترط المبتاع...» ([4]).
سابعاً: اشتراط المشتري مال العبد المباع
ودليله: قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن
ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع» ([5]).
وفيما عدا هذه الشروط السبعة فكل شرط
يشترطه العاقدان فهو باطل والعقد باطل أيضاً ما دام قد اقترن به الشرط الباطل.ولما
كان ابن حزم يستبعد جميع الشروط غير المنصوص عليها فهو – من باب أولى – يستبعد كل
عقد مستحدث لم يرد به نص من كتاب أو سنة، وهو ما صرح به فعلاً([6]).
9- عرض حجج ابن حزم في تدليله على مبدأ الحظر:
· أولاً: الاستدلال بحديث بريرة، وحديث رد كل عمل مبتدع:
استند ابن حزم إلى ما روى من طريق البخاري وغيره عن
عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت بريرة وهي مكاتبة فقالت: اشتريني وأعتقيني قالت: نعم،
قالت: لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي فقالت عائشة: لا حاجة لي بذلك فسمع النبي e أو بلغه فذكر لعائشة، فذكرت عائشة ما قالت لها فقال:
«اشتريها وأعتقيها ودعيهم يشترطون ما شاءوا» فاشترتها فأعتقتها واشترط أهلها الولاء، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: «الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط» ([7])وفي رواية أخرى للبخاري أيضاً: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذيها
واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق» ففعلت عائشة ثم قام رسول الله e في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما بال رجال يشترطون شروطاً
ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء
الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق» ([8]) وقد فسر ابن حزم هذا الحديث بأن اشتراط البائع الولاء لنفسه كان
مباحاً غير منهي عنه لأن النبي e ما كان ليقول هذا القول إلا
وهذا الشرط مباح لأنه لا يبيح الباطل ولا يغر أحداً ولا يخدعه ويستدل ابن حزم هنا
بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل»
فيقول: إن هذا يرفع الإشكال كله وإن الشروط كلها باطلة إلا ما كان في
كتاب الله أي ورد في القرآن أو في السنة الصحيحة، واستدل ابن حزم أيضاً بما روته
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله e قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما
ليس منه فهو رد» ([9])فصح بهذا النص بطلان كل عقد عقده الإنسان والتزمه إلا ما صح أن يكون
عقداً جاء النص بالإلزام به باسمه أو بإباحة التزامه([10]).
·
ثانياً: رد ابن حزم على من احتج بقوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]:
يرى ابن حزم أنه لا يجوزهنا
الاحتجاج بهذه الآية الكريمة ولا بقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾ [النحل: 91].
وذلك لأنه
يرى أن أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود ليس على عمومه ولا على ظاهره لأن القرآن
أمر باجتناب نواهي الله ومعاصيه فمن عقد على معصية فهو حرام عليه الوفاء بها وما
دام هذا لا شك فيه فإن ابن حزم يستخلص من هذه المقدمة أنه لا شك – إذن – أن كل شرط
ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، والباطل محرم وكل محرم لا يحل الوفاء به، وكذلك
قوله تعالى: ﴿وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم﴾فإن أحداً لا يعلم – على حد قوله – ما
هو عهد الله إلا بنص وارد فيه وإن كل عهد نهى الله عنه فليس هو عهد الله بل هو عهد
الشيطان فلا يحل الوفاء به ولا يمكن معرفة عهد الله إلا بنص وبالتالي فكل ما لم
ينص عليه فهو باطل ولا يحل الوفاء به.
·
ثالثاً: رد ابن حزم على من احتج بحديث: «المسلمون
على شروطهم» ([11]):
يرى ابن حزم أن هذا الحديث من رواية كثير
بن عبد الله بن عمرو ابن يزيد وأنه – على زعم ابن حزم – هالك وكذلك أهدر ابن حزم
بعد ذلك بقية الطرق التي روى بها الحديث ثم ذكر ابن حزم بعد ذلك أنه لو فرض جدلاً
صحة هذا الحديث فهو حجة وليس مخالفاً لرأيه، لأن شروط المسلمين هي الشروط التي
أباحها الله لهم، لا التي نهاهم عنها، وأن الرسول e نص على أن كل شرط ليس
في كتاب الله تعالى فهو باطل، فصح – إذن – أن كل شرط ليس في كتاب الله ليس من شروط
المسلمين.
·
رابعاً:
يحتج ابن حزم – رحمه الله – بحجة غريبة
نسوقها بلفظه فهو يقول: [ولا يخلو كل شرط في بيع أو غيره من أحد ثلاثة أوجه لا
رابع لها إما إباحة مال لم يجب في العقد وإما إيجاب عمل وإما منع من عمل والعمل
يكون بالبشرة (أي بالبدن) وبالمال فقط وكل ذلك حرام بالنص قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام»
وأما المنع من العمل فإن الله تعالى يقول:
﴿لم تحرم ما أحل الله لك﴾ فصح بطلان كل شرط جملة إلا شرطاً جاء النص من القرآن أو
السنة بإباحته]([12]).
خامساً: حجة
ابن حزم في منع استثناء منفعة في البيع:
تعرض ابن حزم للاستدلال بحديث جابر بن
عبد الله فقد روى عامر الشعبي أن جابراً حدث أنه: [كان يسير على جمل له قد أعيا
فمر النبي e
فدعا له فسار يسير ليس يسير مثله ثم قال:
«بعنيه بأوقية» قلت: لا ثم قال: «بعينه
بأوقية» فبعثه فاستثنيت حملانه إلى أهلي فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه ثم
انصرفت فأرسل على أثري قال: «ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك» ]([13]) ويرى ابن حزم أن ركوب جابر كان تطوعاً
وأن هذا قد ورد في رواية وأنه إذا كان هذا شرطاً فإن الحقيقة في نظر ابن حزم أن
هذا البيع لم يتم أبداً وإنما الذي يظهر من الخبر
أنه عليه السلام قد أخذ الجمل وابتاعه ثم تخير قبل التفرقة واختار تركه فصح إذن أن
البيع لم يتم (في نظر ابن حزم) وأن جابراً قد اشترط ركوب جمل نفسه ومن ثم فقد بطل
أن يكون هذا الخبر حجة في جواز استثناء منفعة المبيع في نظره([14]).
10- مناقشة
حجج ابن حزم:
· أولاً: تفنيد الحجة الخاصة بحديث بريرة
وحديث رد كل ما هو محدث:
الواقع أن ابن حزم – رحمه الله – فسر
حديث بريرة تفسيراً بعيداً ومناقضاً لنص الحديث نفسه في إحدى روايتي البخاري والتي
ذكرها ابن حزم في كلامه إذ جاء في رواية البخاري المذكورة في كتاب الشروط أن رسول
الله e
قال: «خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق» أي
أن هذا الشرط غير معتبر البتة فكيف يتأتى بعد هذا النص الصريح الصحيح القول بأن
اشتراط الولاء للبائع كان مباحاً حينما قال الرسول e لعائشة: «اشترطي
لهم الولاء» ثم نسخ بعد ذلك، وقد ربط e بين صحة
اشتراط الولاء لهم وبين كون الولاء لمن أعتق وهذا لا يفهم منه إلا حكماً واحداً
يقينياً وهو أن اشتراط الولاء لغير المعتق إنما هو من قبيل الباطل اللغو الذي لا
أثر له على الإطلاق. وأما قول ابن حزم أن النبي e لا يبيح
الباطل ولا يغر أحداً ولا يخدعه فهذا قول صحيح
ولا ريب ولكنهم كانوا يعرفون من قبل أن الولاء لا يكون إلا للمعتق فأراد النبي e أن يبين لهم حكم الشرط الباطل وأنه من قبيل اللغو فوجوده في العقد كعدمه([15]) ولذلك قام بعد ذلك خطيباً في الناس يعلن
عليهم حكم الشروط الباطلة ويؤكد هذا المعنى.هذا ويلاحظ أن الإمام الشافعي ومذهبه
يعتبر أقرب المذاهب إلى مذهب ابن حزم في هذه المسألة قد رفض دعوى النسخ التي
ادعاها ابن حزم وفسر الحديث تفسيرا آخر فقال بأن فقال بأن اشترطي لهم الولاء معناه
اشترطي عليهم الولاء أي لعائشة وليس للبائعين واستند في هذا إلى قوله تعالى: ﴿وإن
أسأتم فلها﴾ أي فعليها([16]). وتفسير الإمام الشافعي بعيد هو الآخر
لأنه يتعارض مع واقع الحال وهو أن عائشة اشترطت لهم الولاء وليس عليهم ولكن هذا
التفسير ينفي دعوى النسخ التي ادعاها ابن حزم. وأما استناد ابن حزم إلى حديث رد كل
ما هو مستحدث فإن عموم هذا الحديث مخصص بالأحكام التي يكون الأصل فيها المنع كما
هو ظاهر من النصوص الأخرى فليس المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»
منع كل جديد ويضاف إلى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «وإياكم ومحادثات
الأمور فإن كل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة» رواه العرباض بن سارية([17])فالبدعة التي يقصدها الحديث هي محدثات
الأمور أي كل مستحدث لم يرد به نص في دائرة العقيدة والعبادات، أو كل مستحدث يخالف
نصاً عاماً أو خاصاً في دائرة المعاملات والعادات، والفرق واضح وخطير بين ما لم
يرد به نص وبين ما يخالف النص. والسبب في هذه التفرقة يرجع إلى أن الأصل في العقيدة والعبادات هو التوقيف والحظر
والمنع، وأما الأصل في العادات والمعاملات فهو الإباحة والحرية والسماح. فما كان
أصله الحظر فإن كل جديد فيه مردود على صاحبه لأنه ضلالة، وما كان أصله الإباحة فإن
كل جديد فيه لا يعتبر مردوداً على صاحبه إلا إذا ثبت أنه يخالف نصاً في الكتاب أو
السنة الصحيحة.
ومن هنا نستطيع أن نفقه قول عمر رضي الله عنه فيما رواه عنه في
الصحيح عبد الرحمن بن عبدٍ القارئ وكان عاملاً لعمر على بيت المال فقال: [خرجت مع
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع (أي
جماعات) متفرقون يصلى الرجل لنفسه ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط فقال عمر: إني
أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت
معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: (نعمة البدعة هذه..)]([18]).
ويلاحظ أن هذا التجديد من عمر يتعلق
بعبادة ولكنه لا يتعلق بأصل من أصول العبادات وإنما يتعلق بمجرد تنظيم للعبادة من
فقيه مجتهد وهو الخليفة الراشد – في الوقت نفسه – عمر رضي الله عنه –ويلاحظ هنا أن
عمر رضي الله عنه استعمل لفظ البدعة في موضع مدح وهو يقصد منه هنا الجديد المستحدث
في غير تعارض مع الشريعة على التفصيل السابق بالنسبة للعبادات والعادات والمعاملات،
ولئن كان عمر رضي الله عنه اجتهد وجدد في مسألة هي على هامش العبادات فإنه يجوز من
باب أولى استحدث مستجدات في نطاق المعاملات والعادات بشرط ألا تتعارض هذه
المستجدات مع نص في الكتاب أو السنة ومن هذا يتضح أن احتجاج ابن حزم بحديث: «من أحدث في أمرنا هذا...» آنف الذكر إنما هو احتجاج ضعيف للغاية لا
يقوى على منع استحداث عقود جديدة لأن الأصل في العقود هو الإباحة كما قدمنا.
· ثانياً: الرد على قول ابن حزم بأن كل
شرط ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله e فهو باطل:
فهو يسوي هنا بين الشروط المنهي عنها
صراحة والشروط المسكوت عنها أي التي لم يأت نص باعتبارها ولا بإلغائها وهو يستند
في ذلك إلى حديث بريرة وهذه الاستدلال منه
حجة عليه لأن الشرط الذي في قصة بريرة إنما هو شرط منهي عنه كما صرح بذلك الرسول
الله e
في حديث بريرة ولذلك فإنه لا يجوز أن
يحمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» إلا على الشروط المنهي عنها فقط.وقد رد ابن تيمية([19])على هذا الاستدلال من ابن حزم بأن
المقصود من عبارة الحديث «كل
شرط ليس في كتاب الله» : أي كل شرط مخالف لحكم الله سواء أكان في القرآن أوفي
السنة الصحيحة لأن هذا القول جاء بخصوص شرط مخالف لحكم الله، وفضلاً عن ذلك فإن
عبارة هذا الحديث جاءت عامة تحتمل التأويل وبالتالي يجب أن تفسر في ضوء النصوص
الخاصة التي جاءت صريحة في أحاديث حكمها الصحة مثل: «والمسلمون على شروطهم إلا
شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» ([20]) وقد ذكر ابن تيمية أن هذا الحديث بمعناه
روي من طرق متعددة يشد بعضها بعضاً فضلاً عن أن هذا المعنى هو الذي يشهد له الكتاب
والسنة ([21])فلس صحيحاً ما ذهب إليه ابن حزم من أن هذا الحديث ضعيف([22])فهو حديث قوى بطرقه المتعددة فهو يقوى
على تخصيص عموم حديث بريرة الوارد في الصحيح إذا فهم على المعنى العام الذي زعمه
ابن حزم.
· ثالثاً: تفنيد الحجج الثانية والثالثة
والرابعة من حجج ابن حزم آنفة الذكر:
لا أحد يخالف ابن حزم في أن الآية التي
تأمر بالوفاء بالعقود ليست على عمومها لأن هذه الآية مخصصة بالعقود والشروط التي
نهى الله تعالى عنها ولكنها مخصصة بهذا فقط وفيما عدا ذلك فإن العام يبقى على
عمومه من وجوب الوفاء بجميع العقود والشروط أياً كان نوعها([23]) ما دام لم يرد نص خاص بشأن عقد من
العقود أو شرط من الشروط، ولقد أورد ابن حزم هنا رأياً بأن عهد الله لا يمكن معرفته
إلا بنص والعقد هو من عهد الله ومن ثم فإن كل ما لم ينص عليه فهو باطل لا يحل
الوفاء به لأنه لا يوجد دليل يدل على أنه عهد الله هذا كله يخصص – في رأيه – عموم
الآية الآمرة بالوفاء بالعقود بصفة عامة، وهذا القول من ابن حزم بعيد ويتناقض مع
الأمر بالوفاء باليمين بدون تخصيص ما دام اليمين على أمر غير حرام سواء أكان هذا
الأمر منصوصاً عليه أم مسكوتاً عنه واليمين عقد من طرف واحد أي بالإرادة المنفردة
وكذلك النذر فهو عقد بالإرادة المنفردة ولم يفصل الشارع أنواع النذور التي يمكن أن
يلتزم بها المسلم ومع ذلك فإنه أمر بالوفاء بجميع النذور ما دامت على غير حرام، وكذلك
سائر العقود ومن ثم فإن رأى ابن حزم هنا ظاهر الخطأ، وقد كان من الطبيعي بعد ذلك
أن يهاجم ابن حزم الاستدلال بحديث «المسلمون
على شروطهم» لأنه يصطدم اصطداماً مباشراً بمذهبه وقد أهدر ابن حزم أحد طرق هذا
البحث بقوله: إن كثير بن زيد هالك، والحق أنه ليس بهالك فهو لم يعرف عنه الكذب
وإنما وصف مرة بأنه ضعيف ووصف مرة أخرى بأنه ثقة على ألسنة أئمة الحديث كما ذكرنا،
ومن جهة أخرى فإن الحديث ومرادفه: «الصلح جائز بين المسلمون إلا صلحاً حرم حلالاً»
قد روي من عدة طرق يشد بعضها بعضاً مما يجعله في حكم الصحيح كما صرح بذلك ابن
تيمية وغيره وكما ذكرنا من قبل.
وأما قول ابن حزم بأن الحديث على فرض
صحته فهو حجة له وليس مخالفاً، فهذا قول يتعارض مع صيغة الحديث العامة وما استثناه
منها فقد استثنى الشارع من الشروط المباحة للمسلمين ما أحل الحرام أو حرم الحلال، وأما
ما سكت عنه الشارع فهو عفو حلال وقد بين الشارع سبحانه في كتابه العزيز أن ما سكت
عنه فهو عفو ولذلك نهى الناس عن كثرة السؤال بغير سبب عن السكوت عنه حتى لا يصدر
نهي صريح عنه فيحرم بعد أن كان حلالاً قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا
اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)﴾ [المائدة: 101]، وروى أبو ثعلبة الخشني أن رسول الله e قال: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها
وحد حدوداً فلا تعتدوها وحرم الأشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير
نسيان فلا تسألوا عنها» ([24])وقول ابن حزم إن عهد الله لا يمكن معرفته
فهذا خطأ كما بينا آنفاً لأن عهد الله لا يقتصر على العهود التي يأخذها الله تعالى
على الناس بالنص وإنما يشمل ما عقده المرء على نفسه بدليل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ
كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ
عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾ [الأحزاب: 15]،
فدخل في هذه الآية في عهد الله ما عقدوه على أنفسهم من عدم التولي، ويضاف إلى هذا
أن الله تعالى أمر الإنسان بالوفاء بالعهد إذا عاهد قال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي
الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ
إِذَا عَاهَدُوا﴾ [البقرة: 177]،
ونعى الله تعالى على اليهود عدم وفائهم بعهود أنفسهم ﴿أَوَكُلَّمَا
عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾([25]) [البقرة: 100].
هذا ومن التناقض الواضح هنا أن ابن حزم – رحمه الله –
ينادى بتخصيص آية الوفاء بالعقود –في غير محل التخصيص المنصوص عليه – ثم يقول في الوقت نفسه إن إيجاب العمل بالبشرة (أي بالبدن) أو
بالمال حرامما لم يرد به نص ويستند في هذا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام» فلماذا
لا يخصص هذا الحديث بدوره فهو يناديبعمومه مع أن الله تعالى خصص تحريم هذه الأشياء
بتراضي الناس في التجارات قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
وخصص الله تعالى تحريم الدماء بقوله: ﴿وَلَا
تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151]،
وقال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي
الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32 ]، هذا وخير الأموال في الشريعة هو المال الذي حصل
عليه الإنسان من عمله فكيف يكون الاتفاق على إيجاب عمل الأصل فيه التحريم كما يذكر
ابن حزم وكيف يستساغ هنا ما بقوله ابن حزم من أن قوله تعالى: ﴿لم تحرم ما أحل الله
لك﴾ يفيد تحريم الاتفاق في العقد على الامتناع عن عمل معين رغم أن هذا الامتناع قد
يكون فيه مصلحة للمتعاقدين معاً، ولقد جاءت الشريعة مدحضة لهذا الفهم غير الصحيح، والدليل
على هذا أن الرسول صلى وسلم قد أبرم عقوداً التزم فيها بالامتناع عن أعمال معينة
ليست فقط مباحة وإنما الأصل فيها أنها واجبة، ورغم ذلك اتفق على الامتناع عنها في
حالات خاصة معينة وبموجب العقد، ومثال هذا ما حدث في عقد الحديبية فقد التزام e بموجب العقد بالامتناع عن قبول أولئك الذين يأتونه مسلمين (من المشركين) في
فترة الهدنة فكيف يستساغ بعد ذلك أن يقال: إن الأصل في إيجاب المنع من العمل بموجب
العقد إنما هو التحريم، ويلاحظ أن كلام ابن حزم هو عن المنع من العمل المباح أصلاً،
وأما إذا كان العمل واجباً فإن ابن حزم أشد رفضاً للعقد الذي يوجب المنع منه، ولكننا
رأينا أن رسول الله e قد فعله، وهنا فقط يصح
أن يقال: إن إيجاب المنع من العمل الواجب إنما الأصل فيه التحريم إلا فيما ورد فيه
نص أو تغلبت عليه مصلحة عامة أو مصلحة خاصة أهم منه وهو ما حصل في عقد الحديبية([26]). وأما تحريم إيجاب المنع من العمل
المباح بموجب العقد تحقيقاًلمصلحة المتعاقدين أو أحدهما فإن هذا أمر غير مقبول
كأصل عام في الشريعة على عكس ما يدعي ابن حزم.
وأما قوله تعالى لرسوله: ﴿لم تحرم ما أحل الله لك﴾ فإن هذا سببه أنه قد حلف على تحريم شيء
حلال له وبين الله له أنه لم يكن هناك داع لهذا اليمين ولا مصلحة شرعية منه لأحد، وهذا
على عكس اتفاق المتعاقدين في عقد معاوضة على امتناع أحدهما عن عمل معين في فترة
محددة تحقيقاً لمصلحة مالية أو غير مالية
لأحدهما أو لهما معاً، فقد يشترك طبيبان في إقامة مستشفى([27]) ويتفقان على التناوب في الحضور على أنه
لا يجوز لأي منهما أن ينام في فترة نوبته في المستشفى فهل يستوي مثل هذا الاتفاق
وصدور يمين من شخص بألا ينام في ساعات معينة من الليل إرضاء لرغبة طارئة من زوجة
أو من أحد أقاربه مثلاً؟ لقد شرع الله
تعالى للحالف أن يرجع عن يمينه ويكفر عنها إذا كانت اليمين قد انعقدت صحيحة ويلاحظ
أن هذه اليمين بالامتناع تنعقد صحيحة – ما دامت على غير معصية – وهي بالتالي ملزمة
لمن عقدها حتى يكفر عنها. ومن هذا يتضح أن
الحجج (الثانية والثالثة والرابعة) التي أوردها ابن حزم هنا ضعيفة لا تقوى على
تعضيد رأيه.
رابعاً: تفنيد
الحجة الخامسة:
وهي قول ابن حزم إن بيع جابر جمله للرسول
e
لم يتم أبداً، وأنه e تخير قبل التفرقة عدم إمضاء البيع، فهذا زعم لم يقم عليه دليل، لأن مجلس
العقد كان قد انفض أثناء السفر وقبل الوصول إلى المدينة([28]) وقد اتفق النبي e مع جابر على أخذ الجمل
بأوقية قائلاً له: «وقد أخذته
بأوقية اركبه فإذا قدمت المدينة فأتنا به» تحقيقاً لاشتراط جابر ظهره إلى المدنية فلما أتاه أخذ منه الجمل ونقده
الثمن وانصرف جابر بحيث لا يستطيع النبي e أن ينادي عليه فيسمعه
بدليل ما جاء في رواية البخاري آنفة الذكر: «ثم انصرف فأرسل على أثري» ([29])أي أنه حتى لو سلمنا جدلاً بأن مجلس
العقد امتد إلى المدينة – وهذا غير صحيح – فإن المجلس قد انفض بانصراف جابر إلى حيث لا يسمع
صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فالبيع إذن قد
تم فعلاً ثم بعد ذلك وهب النبي e الجمل لجابر ومما يؤكد
هذا أنه e
نقد جابراً الثمن المتفق عليه، فكيف
يستساغ بعد هذا أن يقال إن البيع لم يتم كما أنه e لم يسترجع الثمن من
جابر وإنما وهبه الجمل بعد أن تم البيع، وأما ما ذكره ابن حزم أن ركوب جابر الجمل
بعد البيع كان تطوعاً من النبي صلى الله علية وسلم فيبطله نص الحديث الذي رواه
البخاري إذ جاء به «فبعته
بأوقية واستثنيت حملانه إلى المدينة» ([30])واستثناء الحملان من البيع لا يكون أبداً
تطوعاً وإنما هو شرط يتضمن استثناء منفعة المبيع فترة معينة من الزمن.
وفي رأيي أن الأخذ بمذهب أهل الظاهر يؤدي
إلى نتيجة لا تتفق و يسر الشريعة الإسلامية وقابليتها للتطبيق في كل مكان وزمان، إذ
أن الأخذ بمذهب ابن حزم يؤدي إلى إبطال كثير من العقود التي يحتاج إليها الناس، ومن
الممكن طبقاً للقواعد العامة للشريعة تصحيح هذه العقود ما دامت لا تخالف نصاً في
الشريعة، وهذا المسلك للفقه الظاهري يؤدي بدوره إلى لجوء أهل الأزمنة الحديثة إلى
غير الشريعة زاعمين كذباً أن الشريعة لا تفي بحاجات الناس، والحق أن الشريعة تكفي
الناس وزيادة إلى يوم الدين وقد نصبت أحكاماً عامة يهتدى بها، ووضعت في الوقت نفسه
سياجاً منيعاً منعت به الناس من الزلل فلا هي ضيقت على الناس ولا هي تركت الأمر
فوضى.
11- رأي
الشافعية:
الأصل عندهم هو الحظر في العقود والشروط
فهم قريبون – إلى حد ما – من أهل الظاهر في هذه المسألة ولكنهم يتوسعون عن
الظاهرية لأنهم يعللون الأحكام ويأخذون بالقياس على عكس أهل الظاهر. ولقد أخذ
الشافعية بحديث النهي عن بيع وشرط وقالوا: إن الحديث الناهي عن بيع وشرطين يتضمن
النهي عن بيع وشرط([31])وقد تكلم الإمام الشافعي عن المقصود
بالشروط التي ليست في كتاب الله في حديث بريرة وذلك في معرض حديثه عن الشروط في
النكاح وأبطل الشافعي ما تشترطه المرأة على الرجل في عقد الزواج كأن لا يخرج بها
من بلدها أو لا يتزوج عليها وكذلك ما يشترطه الرجل على المرأة كأن لا ينفق عليها
مثلاً. فالعقد عنده صحيح والشرط باطل ويستدل الشافعي بحديث بريرة على أن رسول الله
e
قد أبطل كل شرط ليس في كتاب الله إذا كان
في كتاب الله خلافه، وبين الشافعي أن اشتراط المرأة على الرجل واشتراطه عليها في
عقد الزواج فيه مخالفة للشروط الواردة بالقرآن والسنة لأن لله عز وجل أحل للرجل أن
ينكح أربعاً وما ملكت يمينه فإذا اشترطت عليه أن لا ينكح غيرها أو لا يتسرى عليها
فقد حظرت عليه ما وسع الله تعالى عليه، كما أن الرسول e نهى المرأة عن صيام يوم
التطوع وزوجها شاهد إلا بإذنه فجعل للزوج منعها مما يقربها إلى الله تعالى إذا لم
يكن فرضاً عليها لعظيم حقه عليها، فإذا اشترطت عليه أن لا يخرجها من بلدها فقد
شرطت عليه إبطال ما له عليها. ورد الشافعي على ما قد يحتج به عليه من أن النبي e قال: «إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما
استحللتم به الفروج» فرد الشافعي على ذلك بأنه أتباعاً للسنة إنما يوفى من الشروط
ما يبين أنه جائز، ولم تدل السنة على أنه غير جائز، وأن حديث: «المسلمون على
شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً» يخصص بطبيعة الحال الحديث السابق فلا
يصح إلا الشروط التي لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً ويفهم من كلام الشافعي أن
الشروط الزائدة في عقد الزواج إما تحل حراماً أو تحرم حلالاً([32])ولذلك فهي كلها تعتبر باطلة وقد بين ذلك
بالنسبة إلى الشرط الخاص بعدم خروج المرأة من بلدها وهذا الحكم ينسحب عند الشافعي
على سائر العقود فهي تبطل بالشروط الزائدة إذا وقع الشرط في صلب العقد أو بعده
وقبل لزومه بخلاف ما لو تقدم عليه فإنه لا يؤثر في العقد([33]) ورفض الشافعية الأخذ بظاهر حديث جابر
الثابت بالصحيح وهو الخاص باستثناء
منفعة المبيع مدة معينة، فكروا أنها قضية تتطرق إليها الاحتمالات وذكروا أن النبي e أراد أن يعطي جابراً الثمن ولم يرد حقيقة البيع وقالوا أيضاً إنه من
المحتمل أن الشرط لم يكن في العقد نفسه فلا يضر ولا يؤثر واحتجواهنا بحديث النهي
عن بيع وشرط وحديث النهي عن الثنيا([34]).
هذا وقد فسر الشافعي حديث بريرة تفسيراً
مختلفاً عن تفسير ابن حزم ولكن يؤدي إلى إبطال الشرط والعقد معاً، فقد ذكر الإمام
الشافعي – رحمه الله – أنه إذا شرط البائع العتق مع الولاء له لم يصح العقد في
الرأي الراجح لمخالفة ما استقر عليه الشرع من أن الولاء لمن أعتق وأجاب الإمام
الشافعي عن خبر بريرة: «واشرطي
لهم الولاء» بأن لهم بمعنى عليهم كما في قوله تعالى: ﴿وإن أسأتم فعلها﴾ أي أن الرسول e إنما قصد
بهذه العبارة أن تشترط عائشة عليهم الولاء لنفسها.
وقد أجاز الشافعية اشتراط صفة مقصودة
تتعلق بمصلحة العقد ولا تتوقف على أمر مستقبل فإذا اشترط المشتري كون العبد كاتباً
أو الدابة أو الأمة حاملاً أو لبوناً(ذات لبن) صح العقد مع الشرط لأن الشرط يتعلق
بمصلحة العقد وهو العلم بصفات المبيع التي تختلف بها الأغراض ولأنه التزم موجوداً
عند العقد ولا يتوقف التزامه على إنشاء أمر مستقبل فلا يدخل عندهم في النهي عن بيع
وشرط وإن سمي شرطاً تجوزاً فإن الشرط المؤثر عندهم لا يكون إلا مستقبلاً([35]) وهذا استثناء من قاعدة الحظر في الشروط فالشروط التي تختص بالتزام صفة موجودة
فعلاً وقت العقد لا تعتبر من الشروط المنهي عنها في حديث النهي عن بيع وشرط، فالشرط
المقارن للعقد المتعلق بأمر يطلب المتعاقد وجوده عند العقد مباح عندهم ومثل هذا
الشرط المقارن الصحيح عندهم يتعلق بالاستقراء بصفات المبيع أو الثمن كما ذكرنا.
ويكفي عندهم أن يوجد من الوصف ما ينطبق
عليه الاسم ويرجع إلى العرف في تحديد الوصف وإذا تخلف الشرط فالمشترط بالخيار إن
شاء فسخ العقد لأن الشرط صحيح وإن شاء أبقى فإذا أخلف إلى ما هو أعلى فلا خيار كأن
شرط ثيوبة الجارية فخرجت بكراً فلا خيار وقالوا هنا إنه لا أثر لفوات غرضه لضعف
آلته مثلاً إذ العبرة عندهم بالأعلى دائما([36]).
ومن الغريب أنهم أجازوا في بعض الأحيان ([37])شروطا حرمها الشرع وهذا يتعلق باشتراط
كون العبد ممسوحاً(أي مقطوع الثلاثة) فيظهر سليماً فذكروا أن المشترى له خيار
الفسخ بحجة أن الممسوح مراد لأنه يدخل على النساء ومباح النظر إليهن. وفي رأيي أن
هذا سهو من الشافعية وغيرهم بسبب ذيوع هذا الأمر في عصرهم، والحق أن شرط الخصاء أو
المسح يجب اعتباره باطلاً([38]) لأن هذا محرم بالنص الشرعي فهو ظلم
وفساد كبير وتغيير لخلق الله وهو مما يأمر به الشيطان قال تعالى حاكياً عن الشيطان:
﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ
وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ
وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ
وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 119]،
ولقد بين القرآن الكريم أن تغيير خلق الله من الجرائم التي يستحق فاعلها العذاب
الشديد في الدنيا والآخرة والدليل على هذا ما فعله تعالى بقوم لوط الذين قرنوا
الفاحشة بتغيير خلق الله.
هذا ومن مظاهر تخففهم من قاعدة الحظر أنهم
يفرقون بين صيغة الأمر وصيغة الشرط في الحكم فإذا جاء الإلزام بالشرط بصيغة الأمر
فالعقد صحيح ولا إلزام على الطرف الآخر كأن يقول المشترى لبائع الثوب: خطه لي، بصيغة
الأمر فالعقد صحيح والشرط باطل وهذا بعكس ما لو قال له: اشتريت منك الثوب بشرط، أو
على أن تخيطه لي، فالشرط باطل ويبطل به العقد لاشتماله على شرط عمل فيما لم يملكه
المشتري وقت الانعقاد، ولأنه جاء بصيغة الشرط ولم يأت بصيغة الأمر لأن الأمر بشيء
مبتدأ غير مقيد لما قبله بخلاف الشرط فهو مقيد لما قبله، وقالوا أيضاً إنه إذا
تضمن الشرط (حتى ولو جاء بصيغة الشرط) إلزام المتعاقد بعمل فيما يملكه كأن اشترى
ثوباً بشرط أن يبنى أحدهما خائطة فإن العقد يصح عندهم ويبطل الشرط([39]).
12- نقد
المذهب الشافعي:
يعتر المذهب الشافعي أضيق المذاهب بعد
الظاهرية في مسألة الأصل في العقود، ولكن الشافعية توسعوا عن الظاهرية واستثنوا من
قاعدة الحظر في العقود والشروط أموراً رفضها الظاهرية مثل اشتراط صفة مقصودة في
العقد ويلحظ أن الإمام الشافعي قد فسر تفسيراً صحيحاً قوله صلى الله عليه وسلم: «ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو
باطل» فذكر أن كل شرط ليس في كتاب الله باطل إذا كان في كتاب الله أو سنة رسول
الله e
خلافه، وهذا فرق هام بين الشافعي وابن
حزم الذي انتهى إلى كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل سواء نص على خلافة أم لم ينص
ولكن يجب أن يلاحظ هنا أن الشافعي قد اقترب من ابن حزم في النتيجة لأنه توسع في الشروط المنصوص عليها بالنسبة إلى الشروط المسكوت
عنها كما فعل بالنسبة إلى اشتراط المرأة على زوجها ألا يخرجها من بلدها فإن الشرط
يعتبره ابن حزم باطلاً لأنه لم ينص عليه وأما الشافعي فقد اعتبره باطلاً لأنه
مخالف لما نص عليه ذاكراً أن ما جاءت به الشريعة من النص على حق الرجل على زوجته
يعتبر مخالفاً لهذا الشرط الذي اشترطته المرأة على زوجها. وهذا الرأي غير صحيح
لأنه إذا كانت الشريعة قد خولت الرجل حقوقاً على زوجته فما الذي يمنع من تنازل
الرجل عن بعض هذه الحقوق الخاصة به والتي لا تتعلق بحق الله تعالى؟ فالحق أنه لا
تعارض بين تخويل الرجل حقوقاً عظيمة على المرأة وبين تنازله مختاراً عن بعض هذه
الحقوق طالما أن الحق المتنازل عنه إنما هو من الحقوق الخالصة له ليس من حقوق الله
الخالصة أو الحقوق التي فيها حق لله إلى جانب حق الزوج.
ومن هنا يتضح لنا أن المذهب الشافعي وإن
كان قد توسع إلى حد ما عن أهل الظاهر إلا أنه قد جاء ضيقاً في هذه المسألة
ومخالفاً للنصوص العامة المتعددة التي تقرر قاعدة حرية العقود والشروط([40])
المطلب الثاني
مذهب المتخففين في قاعدة الحظر
13- رأي
الحنفية في العقود والشروط:
اتجه الحنفية إلى قاعدة أن الأصل في
العقود والشروط هو الحظر وقد روى الإمام أبو حنفية حديث النهي عن بيع وشرط([41]) وقد صح هذا الحديث عند أبي حنيفة فهو
أساس قاعدة الحظر عند الحنفية، وقد رفض الحنفية الأخذ بظاهر حديث جابر الخاص
باستثناء منفعة المبيع وتأولوه بما تأوله الشافعية([42]).
ولكن الحنفية – مع ذلك – توسعوا كثيراً
عن الشافعية عن طريق الأخذ بالعرف ففتحوا باباً واسعاً للعقود والشروط المستحدثة
عن طريق العرف ويستند الحنفية في هذا إلى الحديث الذي رواه ابن مسعود قال: «إن الله نظر في قلوب العباد فاختار
محمداً e
فبعثه الله برسالته ثم نظر في قلوب
العباد فاختار له أصحاباً فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه فما رآه المسلمون حسناً
فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح» ([43]).
وجاء في المبسوط: [تعامل الناس من غير نكير أصل من الأصول كبير لقوله عليه الصلاة
والسلام: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن»
وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تجمع أمتي على ضلالة» وهو (أي عقد الاستصناع) نظير
دخول الحمام فأنه جائز لتعامل الناس وإن كان مقدار المكث فيه وما يصيب من الماء
مجهولاً]([44]). وجاء في حاشية ابن عابدين: [وجاز إجارة
الحمام لأنه عليه والصلاة والسلام دخل حمام الجحفة وللعرف وقال عليه الصلاة
والسلام: «ما رآه المسلمون حسناًفهو عند الله حسن» ([45]) وعلى هذا فإن العرف عند الحنفية طبقاً
للدليل الذي استندوا إليه – هو ما اعتاده الناس وألفوه فعلاً كان أو قولاً([46]) دون معارضة لنص ومن أجل ذلك فإن الحنفية
يصححون بالعرف عقوداً مسكوتاً عنها كعقدي الاستصناع والحمام.
14 – مدى أثر
العرف على القياس والنصوص عند الحنفية وأثر ذلك على مسألة العقد:
لما كان الحنفية يأخذون بالقياس ويعللون
الأحكام الوارد بها النص الشرعي فإن ذلك فتح لهم باباً واسعاً في تطبيق العرف مع
وجود النص الناهي الذي قد يبدو لأول وهلة أنه مخالف للعرف، ولكن يتضح بعد التحليل
الدقيق أن العرف وإن خالف ظاهر النص إلا أنه يتفق مع علة النص وعلى هذا فقد جوزوا
عقوداً وشروطاً لم ينص عليها الشارع رغم أخذهم بحديث النهي عن بيع وشرط فقد أجازوا
مسألة تسمير القبقاب أي شراء القبقاب على أن يستمر له سيراً أي يستعمله شخصياً ولا
يتصرف فيه فهذا بيع مع شرط المنع من التصرف صح عندهم لتعارف الناس عليه فصح البيع
ولزم الشرط استحساناً لتعامل الناس به ومقتضى القياس هنا هو فساد هذا الشرط لأنه
ليس من مقتضى العقد وإن كان فيه نفع لأحد العاقدين. وأجازوا عقد الاستصناع مع أنه
لمعدوم وهو باطل عندهم ولكن صح استحساناً لتعامل الناس به، ومن ذلك أيضاً شراء
الصوف المنسوخ على أن يجعله البائع قلنسوة أو شراء قلنسوة على أن يجعل لها البائع
بطانة من عنده، ومنه أيضاً شراء ثوب أو خف خلق على أن يرقعه البائع فهذا كله صحيح
عندهم لتعارف الناس عليه مع أن القياس منع هذه العقود والشروط لأن النبي e نهى عن بيع وشرط وأبو حنيفة نفسه
هو راوي هذا الحديث([47]) وقد يفهم من هذا – لأول وهلة – أنهم
يقدمون العرف على النص، وهذا محال فالعرف كما صرحوا بذلك ليس يقدم على النص ولكن
يقدم على القياس، وقد علل الحنفية حديث النهي عن بيع وشرط بأن العلة من النهي هي
وقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو قطع المنازعة، ولما كان العرف ينفي
النزاع يقيناً إذ لا يمكن أن تستقر عادة بين الناس مع وجود المنازعة، فلذلك يكون
العرف موافقاً لمعنى الحديث وليس منافياً له ولم يبق من الموانع إلا القياس والعرف
قاض عليه([48]). وهذا يوضح أن النهي عن الشرط في العقد –
عند الحنفية – ليس لذاته وإنما لأنه يؤدي إلى وقوع النزاع والعرف ينفي بطبيعته
النزاع وبالتالي يصح العقد والشرط عندهم بالعرف ولا يتعارض هذا الحكم مع الحديث
الذي صح عندهم لأن عموم اللفظ هنا مخصص بالعرف فالمقصود من الحديث هو النهي عن
الشروط المفضية إلى وقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به، ولا مانع من أن الأصل
في الشروط المقارنة أنها تفضي إلى مثل هذا النزاع إذ أن العرف كفيل بإزالة هذه
الصفة عن الشرط الذي تعارف عليه الناس. ومن هذا يتضح أن أخذ الحنفية بالعرف المقدم
عندهم على القياس (وليس النص) قد فتح لهم باباً واسعاً جعلهم يبتعدون إلى حد كبير
عن القاعدة التي اعتنقها الظاهرية والشافعية من أن الأصل في العقود والشروط هو
الحظر لا الإباحة. هذا وقد زاد بعض الحنفية في توسعهم فأخذوا بالعرف الخاص ولم
يشترطوا العرف العام الذي يشمل ما اعتاده الناس في جميع الأمصار الإسلامية كتعارف
الناس على بيوع التعاطي وعلى عقود الاستصناع وعلى الجلوس في المقاهي دون تحديد مدة
للبقاء مقابل أن يشرب شيئاً يدفع ثمنه لصاحب المقهى. والعرف الخاص هو ما اعتاده
أهل إقليم واحد أو بلدة واحدة كتعارف أهل مصر على أن الزوجة هي التي تقوم بتجهيز
المنزل ومن ذلك أيضاً ما ذكره الزيلعي من أن مشايخ بلخ والنسفي يجيزون حمل الطعام
ببعض المحمول ونسج الثوب ببعض المنسوج لتعامل أهل بلخ بذلك ولكن الزيلعي عقب على
ذلك بأن غالبية فقهاء المذهب الحنفي لم يجيزوا هذا التخصيص لأن ذلك تعامل أهل بلدة
واحدة فلا يكفي لتخصيص الأثر وهذا بخلاف عقد الاستصناع فإن التعامل جري به في كل
البلاد وبمثله يترك القياس ويخص الأثر([49]).
15 – نقد
المذهب الحنفي:
الواقع من الأمر أن الحنفية – رغم أخذهم –
بقاعدة الحظر في العقود والشروط ورغم أنهم هم الذين رووا حديث النهي عن بيع وشرط
فإنهم قد فتحوا الباب واسعاً– كما رأينا – عن طريق العرف فهم توسعوا عن الظاهرية
والشافعية كثيراً في هذه المسألة ولكن ما كان أغناهم عن هذا كله لو أنهم لم يتبعوا
هذا الحديث المشهود له بالضعف من أهل الحديث ومن ثم ما كانوا ليحتاجوا إلى العرف
لتصحيح العقود المستحدثة التي هي – أصلاً– صحيحة بناء على الأصل المخالف لهم وهو
أصل الإباحة في العقود والشروط.
المطلب الثالث
مذهب الموسعين لدائرة العقود والشروط وهم جمهور المالكية والحنابلة
16– رأي
جمهور المالكية([50]):
يرى أصحاب الإمام مالك أن مذهبه في مسألة
العقود الشروط هو أحسن المذاهب إذ به يجمع بين الأحاديث المختلفة (في ظاهرها) كلها
والجمع عندهم أحسن من الترجيح ويرى الإمام مالك بصفة عامة جواز التعاقد على
المنافع في عقود المعاوضات المالية رغم أنها معدومة ويرى الإمام مالك جواز التبرع
بالمعدوم وقت التعاقد([51]) فالإمام مالك يرى أنه لا تلازم بين
الانعدام والغرر الذي يؤثر على عقود المعاوضات المالية كما أن الغرر لا يؤثر في
عقود التبرعات عندهم وهذا من المالكية توسع كبير في دائرة العقود بصفة عامة دون
اعتماد على العرف. ويرى المالكية أن الأصل في اختلاف الناس في الشروط المستحدثة
ثلاثة أحاديث:
أحدهما: حديث جابر قال: «ابتاع مني رسول الله e بعيراً وشرط ظهره إلى المدينة» . وهذا حديث صحيح.
الحديث الثاني: حديث بريرة المعروف وهو
أن الرسول e
قال: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط»
والحديث متفق على صحته.
والثالث: حديث جابر قال: (نهي رسول الله e عن المحاقلة والمزاينة والمخابرة والمعاومة والثنيا ورخص في العرايا) وهو
أيضاً مرويفي الصحيح ويرى المالكية أنه يضم إلى هذه الأحاديث الثلاثة ما رواه أبو
حنيفة من أن رسول الله e نهى عن بيع وشرط ولكنهم
خصصوا هذا الحديث بحديث جابر المروى في الصحيح بشأن الثنيا فأباحوا بصفة عامة
للمتعاقد أن يشترط لنفسه منفعة يسيرة قد تصل عندهم مدتها إلى سنة ويرى أن الشرط في
البيع (وتقاس عليه سائر عقود المعاوضات المالية) يقع على ضربين: أحدهما أن يشترط
الشرط بعد انقضاء الملك مثل أن يبيع العبد أو الأمة ويشترط أنه متى عتق كان ولاؤه
له دون المشتري فمثل هذا قالوا فيه يصح العقد ويبطل الشرط لحديث بريرة وأما الضرب
الثاني فهو الشرط يقع في مدة الملك وهذا ينقسم عندهم إلى ثلاثة أقسام:
· القسم الأول: أن يشترط في المبيع منفعة
لنفسه.
· القسم الثاني: أن يشترط على المشتري منعاً
من تصرف عام أو خاص.
· القسم الثالث: أن يشترط إيقاع معنى في
المبيع. وهذا القسم الثالث ينقسم إلى قسمين أحدهما: أن يكون معنى من معاني البر
والثاني أن يكون معنى ليس فيه من البر شيء.
· فأما القسم الأول: وهو الشرط الذي فيه
منفعة للبائع (أو للمشترى) ولا يعود بمنع التصرف في أصل المبيع كأن يبيع الدار
ويشترط سكناها مدة يسيرة مثل الشهر وقيل السنة فذلك جائز لحديث جابر واشتراطه ظهر
جمله إلى المدينة.
وأما الشرط الذي فيه منع من تصرف عام أو
خاص (وهو القسم الثاني) فذلك لا يجوز عندهم لأنه من الثنيا المنهي عنها مثل أن
يبيع الأمة على ألا يطأها أو ألا يبيعها وهكذا يوفقون بين حديث جابر الخاص
باستثناء منفعة المبيع وبين حديثه عن الثنيا.
وأما القسم الثالث: وهو الشرط الذي فيه
معنى من معاني البر مثل العتق كما إذا اشترط تعجيله جاز عندهم، وإن تأخر لم يجز
لعظيم الغرر فيه([52]).
17-
نقد المذهب المالكي:
لقد توسع المالكية توسعاً كبيراً في
دائرة العقود دون حاجة إلى الاعتماد على العرف فهم لا يربطون بين الانعدام والغرر
فقد يكون الشيء محل التعاقد معدوماً ولكنه مقدور على تسليمه عند التنفيذ فيصح
التعاقد بشأنه ولذلك نجد أن مالكاً يجيز التعاقد على الثمار التي لا يمكن وجودها
دفعة واحدة ما دام قد ظهر منها شيء كما في الخضروات والبطيخ وغيرها وهذا على عكس
الحنفية والشافعية الذين يعتبرون الانعدام ملازماً للغرر([53])والذي يبدو لي من نقول المالكية أنهم
يقتربون كثيراً من قاعدة الأصل في العقود الإباحة وإن لم يصرح جمهورهم([54]) بذلك فقد جاء في المدونة: (إن اشترى
عبداً على أن يعتقه قال مالك: يجوز وعلل ذلك بأن البائع وضع من الثمن للشرط الذي
فيه فلم يقع فيه غرر وإنما يكون فيه الغرر لو باعه على أن يعتقه إلى سنتين أو
يدبره فهذه المخاطرة والغرر لأن العتق إلى أجل والتدبير غرر وإن فعل المشترى ذلك
(احتراماً للشرط) لأن العبد إن مات قبل أن يأتي الأجل مات عبداً، ولأن المدبر إذا
مات قبل مولاه مات عبداً ولعل الدين يلحقه بعد موت سيده فيرق ولعله لا يترك مالاً
ولا يعتق إلا ثلثه فهذا يدلك على أنه غرر]([55]) فهذا الكلام يدل على أنهم يجيزون العقود
المستحدثة إن لم يكن فيها غرر أي إذا لم تشتمل على ما يخالف الشرع وهذا إلى جانب
تخففهم في مسألة الانعدام وهذا كله يجعلهم أوسع من الحنفية في مسألة العقود
والشروط ولكن يؤخذ عليهم أنهم احتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط مع أنه حديث ضعيف
ليس بحجة.
18– رأى جمهور
الحنابلة:
انفرد الإمام أحمد بالنسبة إلى الأئمة
الثلاثة مالك وأبي حنيفة والشافعي – بالتصريح بإباحة الشرط الزائد في العقد ([56])وهذا يجعله يقترب أكثر من المالكية
بالنسبة إلى قاعدة الأصل في العقود الإباحة لأن إباحة الشرط الزائد المستحدث في
العقد تشير إلى إباحة العقد المستحدث الذي لا يحتوي على ما يخالف نصاً في الكتاب
أو السنة. وقد صرح الحنابلة بأن حديث النهي عن البيع وشرط إنما هو حديث ضعيف ليس
بحجة وهم يأخذون بحديث النهي عن الشرطين في المبيع فقد ورد عن عبد الله بن عمرو عن
النبي e
أنه قال: «لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا تبع ما ليس
عندك»([57]). هذا وقد اختلف الحنابلة في تفسير
الشرطين المنهي عنهما فروي
عن الإمام أحمد أنهما شرطان صحيحان ليسا من مصلحة العقد كمن اشترى ثوباً واشترط
على البائع قصارته وخياطته ومن اشترى طعاماً واشترط على البائع طبخه وحمله، وفي
رواية أخرى عن أحمد أنه فسر الشرطين بشرطين فاسدين نحو أن يشترى الأمة ويشترط
البائع عليه ألا يبيعها من أحد ولا يطأها([58]) وعلى هذه الرواية الأخيرة فإنه يجوز
اشتراط أي عدد من الشروط الصحيحة ليست من مصلحة العقد ولكنها لا تنافي مقتضاه وعلى
هذه الرواية أيضاً إذا اشتراطا شرطا واحداً فاسداً فإن الشرط وحده هو الذي يبطل
ويصح العقد وإذا اشترطا شرطين فاسدين فإن العقد يبطل بهما.
19– نقد
المذهب الحنبلي:
يعتبر المذهب الحنبلي أوسع المذاهب في
هذه المسألة فهم ينفردون برد حديث النهي عن بيع وشرط ويقتربون أكثر من غيرهم من
قاعدة الأصل في العقود والشروط الإباحة وعلى الأخص بالنسبة للرواية التي تفسير
الشرطين الممنوعين في العقد بشرطين فاسدين أي تجيز اشتراط أي عدد من الشروط
الصحيحة ولكن الجمهور – مع ذلك – لم يصل إلى القول الصريح بأن الأصل في العقود
والشروط هو الإباحة لا الحظر.
المطلب الرابع
مذهب الذين صرحوا بأن الأصل في العقود والشروط هو الإباحة لا الحظر
[وهم: ابن تيمية وابن
القيم من الحنابلة والشاطبي من المالكية]
20– رأي ابن
تيمية:
حمل شيخ الإسلام ابن تيمية لواء الدفاع
عن قاعدة حرية العقود والشروط فقد ذكر ابن تيمية صراحة أن الأصل في العقود والشروط
هو الإباحة لا الحظر واستدل على ذلك بالكتاب والسنة والاعتبار ونظراً لقوة الأدلة
التي استدل بها ابن تيمية في هذا الشأن فإننا نسوقها بشيء من التفصيل([59]).
21– استدلال ابن تيمية بالكتاب([60]):
استدل ابن تيمية بقوله تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، والعقود هي العهود قال تعالى: ﴿وَبِعَهْدِ
اللَّهِ أَوْفُوا ﴾ [الأنعام: 152 ]،
وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ
مَسْئُولًا (34)﴾ [الإسراء: 34]،
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا
عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ
اللَّهِ مَسْئُولًا (15)﴾ [الأحزاب: 15 ]،
فأمر سبحانه وتعالى بالوفاء بالعقود ويقول ابن تيمية: إن هذا عام وإنه تعالى أمر
بالوفاء بعهد الله وقد دخل في ذلك ما عقده المرء على نفسه بدليل الآية آنفة الذكر
من سورة الأحزاب فدل على أن عهد الله يدخل فيه ما عقده المرء على نفسه وقد أمر
الله بالوفاء به وقرنه بالصدق في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ
فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ﴾ [الأنعام: 152]،
لأن العدل في القول خبر يتعلق بالماضي والحاضر، والوفاء بالعهد يكون في القول
المتعلق بالمستقبل. وقال سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء: 1]،
وقال المفسرون كالضحاك وغيرها: تساءلون به تتعاهدون وتتعاقدون، وذلك لأن كل واحد
من المتعاقدين يطلب من الآخر ما أوجبه العقد من فعل أو ترك مال أو نفع ونحو ذلك.
وقال سبحانه: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا
تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ
عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا
تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى
مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)﴾إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا
تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ﴾ [النحل: 91 - 94]، والأيمان جمع يمين وكل عقد فإنه يمين
قيل: سمي بذلك لأنهم كانوا يعقدونه بالمصافحة باليمين ويدل على ذلك أيضاً قوله
تعالى: ﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولميظاهروا عليكم أحداً
فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين﴾إلى قوله تعالى: ﴿كَيْفَ
وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: 7، 8]، والْإل
هو القرابة، والذمة العهد وهما المذكوران في قوله تعالى: ﴿تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1]،
فذمهم على قطيعة الرحم ونقض الذمة أي العهد وقال تعالى: ﴿وَإِنْ
نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ [التوبة: 12]، فهذه نزلت في الكفار لما صالحهم النبي e عام الحديبية ثم نقضوا العهد بإعانة بني بكر على خزاعة فهذه الآيات
الكريمات وغيرها توجب الوفاء بالعقد وهذا مما لا ريب فيه.
22- استدلال ابن تيمية بالسنة المطهرة ([61]):
استدل شيخ الإسلام بما ورد في الصحيحين
عن عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً ومن كانت فيه خصلة
منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد
غدر وإذا خاصم فجر» ([62]).
فذم الغادر وكل من شرط شرطاً ثم نقضه فهو
غادر ولا ريب، وفي الصحيحين عن عقبة بن عامر أن رسول الله e قال: «أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به
الفروج» ([63]) فدل على استحقاق الشروط بالوفاء وأن
شروط النكاح أحق بالوفاء من غيرها. ويستند ابن تيمية أيضاً إلى ما رواه أبو داود
والدارقطني من حديث سلمان بن بلال عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً والمسلمون على
شروطهم» .
وروى الترمذي والبزار من حديث كثير بن
عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله e قال: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً
أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» ([64]) وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
وروى أبو بكر البزار أيضاً عن ابن عمر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس على شروطهم ما وافقت الحق» ويذكر
ابن تيمية بالنسبة لأسانيد هذا الحديث أنه وإن كان
الواحد منها ضعيفاً فاجتماعها من طرق مختلفة يشد بعضها بعضاً يقوى الحديث فضلاً عن
أن هذا المعنى هو الذي يشهد له كتاب والسنة([65]).
23 – وجه استدلال ابن تيمية بالكتاب
والسنة على أصل الإباحة بالنسبة إلى العقود والشروط([66]):
يقول ابن تيمية: إن الكتاب والسنة قد
جاءا بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود وبأداء الأمانة ورعاية ذلك
كله والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك، ولو كان
الأصل في العقود الحظر والفساد إلا ما أباحه الشرع أو أوجبه لم يجز أن نؤمر بها
مطلقاً ويذم من نقضها أو غدر مطلقاً، كما أن قتل الأنفس لما كان الأصل فيه الحظر
إلا ما أباحة الشرع أو أوجبة لم يجز أن يؤمر بقتل الأنفس مطلقاً بخلاف ما كان جنسه
واجباً كالصلاة والزكاة فإنه يؤمر به مطلقاً، وإن كان لذلك شروط وموانع عن الصلاة
بغير الطهارة وعن الصدقة بما يضر النفس ونحو ذلك، وكذلك الصدق في الحديث مأمور به
وإن كان قد يحرم الصدق أحياناً لعارض ويجب السكوت والتعريض، وإذا كان حسن الوفاء
ورعاية العهد مأموراً به فلما كان ذلك كذلك علم أن الأصل صحة العقود والشروط إذ لا
معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده وهو الوفاء به، وإذا كان الشرع
قد أمر بمقصود العهود فهذا يدل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة.
والإباحة هنا لا تتعارض ألبتة مع ما حرمه
الله فالمشترط ليس له أن يبيح ما حرمه الله ولا أن يحرم بإطلاق ما أباحه الله، فإن
عقده وشرطه يكون حينئذ باطلاً لمخالفته لحكم الله، وكذلك ليس له أن يسقط ما أوجبه
الله وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجباً بدونه فمقصود الشروط وجوب
ما لم يكون واجباً ولا حراماً، وكل شرط صحيح لا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجباً
وإباحة ما لم يكن مباحاً وتحريم ما لم يكن حراماً وكذلك كل من المتاجرين
والمتناكحين. وكذلك إذا اشترط صفة في المبيع أو رهناً أو اشترطت المرأة زيادة على
مهر مثلها فإنه يجب ويحرم ويباح بهذا الشرط ما لم يكن كذلك، وهذا المعنى هو الذي
أوهم من اعتقد أن الأصل هو فساد الشروط إذ قال لأنها إما أن تبيح حراماً أو تحرم
حلالاً أو توجب ساقطاً أو تسقط واجباً وذلك لا يجوز إلا بإذن الشرع وقد ورد شبهات
عند بعض الناس حتى توهموا أن حديث «المسلمون
على شروطهم» متناقض وليس كذلك في الحقيقة، بل ما كان حراماً مؤبداً بدون الشرط
فالشرط لا يبيحه كالزنا والوطء في ملك الغير. وأما ما كان مباحاً بدون الشرط
فالشرط قد يوجبه كالزيادة في المهر والثمن والمثمن والرهن وتأخير الاستيفاء، فإن
الرجل له أن يعطي المرأة وله أن يتبرع بالرهن والاستيفاء ونحو ذلك فإذا شرطه صار
واجباً.
وهذا التحليل الدقيق لا بن تيمية يكشف
بدقة عن حقيقة الموقف بالنسبة إلى أثر الشرط في العقد ويكشف عن الغلط الذي وقع فيه
بعض الفقهاء عندما قالوا بأن الشرط بصفة عامة يحل الحرام ويحرم الحلال وهذا غير
صحيح لأنه ينبغي التفرقة بين ما هو محرم أو ما هو حلال بصفة مطلقة وبين المحرم أو
الحلال في حال مخصوصة كالمرأة الأجنبية فهي حرام على من يريد الزواج منها حتى يعقد
عليها بعقد صحيح فهذا العقد قد أحل ما كان محرماً ولا يعتبر هذا تحليلاً لما حرمه
الله. وأما المحرمة بصفة مؤبدة مثل أم الزوجة فإن العقد عليها لا يحلها. وكذلك
الشأن بالنسبة إلى العقود المستحدثة فإنها ما دامت لم تشتمل على ما يتعارض مع نص
شرعي صحيحفإنها تكون صحيحة حتى لو أحلت ما كان
محرماً في حال مخصوصة ويجوز تحليله بالعقد.
24 – وجه الاستدلال بالاعتبار عند ابن
تيمية([67]):
· أولاً: العقود والشروط من باب الأفعال
العادية الأصل فيها الإباحة:
فالأصل في العقود مثل الأصل في الأفعال
العادية هو الإباحة وعدم الحظر لأنها ليست من العبادات، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ
فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 199]، عام في الأعيان والأفعال وإذا لم تكن
حراماً لم تكن فاسدة لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم وإذا لم تكن فاسدة كانت
صحيحة، وأيضا فليس في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط إلا ما ثبت
تحريمه بعينه وانتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم فثبت بالاستصحاب العقلي
وانتفاء الدليل الشرعي عدم التحريم فيكون فعلها إما حلالاً أو عفواً، كالأعيان
التي لم تحرم وغالب ما يستدل به على أن الأصل في الأعيان عدم التحريم من النصوص
العامة والأقيسة الخاصة والاستحضار العقلي وانتفاء الحكم لانتفاء دليله، فإنه
يستدل به أيضاً على عدم تحريم العقود والشروط فيها سواء سمي ذلك حلالاً أو عفواً
على الاختلاف المعروف بين الفقهاء بين الحلال والعفو، وليس أدل على تسوية العقود
بالأفعال – من هذه الناحية – من أن المسلمين قد اتفقوا على أن العقود التي عقدها
الكفار يحكم بصحتها بعد الإسلام إذا لم تكن محرمة على المسلمين وإن كان الكفار لم
يعقدوها بإذن شرعي، ولو كانت العقود كالعبادات لا تصح إلا بشرع لحكموا بفسادها أو
بفساد ما لم يكن أهله مستمسكون فيه بشرع.
ثانياً: التراضي
في العقود عموماً وطيب النفس في التبرعات هو الأصل بالدليل القرآني:
الأصل في العقود رضي العاقدين ونتيجتها
هي ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقدين لأن الله تعالى قال في كتابه: ﴿إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وقال: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ
عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: 4]،
فعلق جواز الأكل بطيب النفس تعليق الجزاء بشرطه فدل على أنه سبب له وهو حكم معلق
على وصف مشتق مناسب فدل على أن ذلك الوصف سبب لذلك الحكم، وإذا كان طيب النفس هو
المبيح للصداق فكذلك سائر التبرعات قياساً بالعلة المنصوصة التي دل عليها القرآن
وكذلك قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾
لم يشترط في التجارة إلا التراضي، وذلك يقتضي أن التراضي هو المبيح للتجارة، وإذا
كان كذلك فإذا تراضي المتعاقدين أو طابت نفس المتبرع بتبرع ثبت حله بدلالة الكتاب
إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله كالتجارة في الخمور ونحو ذلك.
ثالثاً: الشرط
المنافي لمقصود العقد والشرط المنافي لمقصود الشارع:
يقول ابن تيمية إنه إذا كان الشرط
منافياً لمقصود العقد كان الشرط لغواً، وإذا كان منافياً لمقصود الشارع كان
مخالفاً لله ورسوله فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما بأن لم يكن لغواً ولا اشتمل
على ما حرمه الله ورسوله فلا وجه لتحريمه، بل الواجب حله لأنه عمل مقصود للناس
يحتاجون إليه إذ لولا حاجتهم لما فعلوا فإن الإقدام على فعل مظنة الحاجة إليه، ولم
يثبت تحريمه فيباح لما في الكتاب والسنة من الأمر برفع الحرج.
رابعاً: الرد
على الاستدلال بحديث بريرة في حظر العقود والشروط:
فسر ابن تيمية حديث بريرة بأن النبي e أراد به إبطال الشروط التي تنافي كتاب الله، ولم يرد إبطال الشروط التي سكت
عنها كتاب الله، ثم رد على القول بأن النبي e أراد أن الشروط التي لم
يبحها ولم يحرمها تكون باطلة فقد رد على هذا القول بأن الكتاب والسنة دلّا على
وجوب الوفاء بالعقود والشروط بصفة عامة، ولذلك فإن أي شرط سكت عنه الكتاب بخصوصه
يدخل في هذا الأمر العام الصادر من الكتاب والسنة بوجوب الوفاء بالشروط بصفة عامة،
ولا يخرج هنا إلا ما دل عليه دليل خاص ينهى الله تعالى عنه كما هو الحال في شرط
الولاء لغير المعتق والذي نص عليه الحديث.
25–كيفية تطبيق قاعدة حرية العقود
والشروط عند ابن تيمية([68]):
يرى ابن تيمية أنه مع التسليم بأن الأصل
في العقود والشروط الإباحة، فإن هذا لا يعني أننا نعتبر أي عقد أو أي شرط صحيحاً
دون بحث وترو، بل يتعين علينا أن نبحث لنعرف هل يوجد نص خاص يحرم مثل هذا العقد أو
الشرط أم لا. وحجته في ذلك واضحة فهو يقول إنه لعدم تحريم العقود والشروط وصحتها
أصلان: الأدلة الشرعية العامة والأدلة العقلية التي هي الاستصحاب وانتفاء المحرم
فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة في أنواع المسائل وأعيانها إلا بعد الاجتهاد في
خصوص ذلك النوع أو تلك المسألة لمعرفة هل ورد من الأدلة الشرعية ما يقتضي التحريم
لأنه إذا كان الدليل هو الاستصحاب ونفي الدليل الشرعي المحرم فقد أجمع المسلمون
وعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز لأحد أن يعتقد أو يفتى بموجب هذا
الاستصحاب والنفي إلا بعد البحث عن الأدلة الخاصة والتأكد من عدم وجود نص خاص يحرم
في المسألة المعروضة. ويستخلص ابن تيمية من ذلك أنه ما دام الخلاف يعود إلى اعتبار
عقلي أو إطلاق لفظي فإن الأدلة النافية
لتحريم العقود والشروط المثبتة لحلها مخصوصة بجميع ما حرمه الله ورسوله من العقود
والشروط. ويقول ابن تيمية هنا: إن من غلب على ظنه من الفقهاء انتفاء المعارض في
مسألة خلافية أو حادثة انتفع بهذه القاعدة فيذكر في أنواعها قواعد مطلقة ويضرب ابن
تيمية بعض الأمثلة فيقول: إن الأصل عند الفقهاء أنه لا يجوز لكل من أخرج عيناً من
ملكه معاوضة كالبيع والخلع أو تبرعاً كالوقف والعتق أن يستثني بعض منافعها لما روي
من حديث جابر آنف الذكر، فإذا كان العقد مما لايصح فيه الغرر كالبيع فلا بد أن
يكون المستثنى معلوماً، ويؤكد ذلك حديث جابر إذ اشتراط ظهر البعير المباع إلى
المدينة وهي مسافة معلومة لها مدة معلومة، وإذا كان العقد مما يصح فيه الغرر
كالعتق والوقف، فله أن يستثنى غير معلوم فيستثنى خدمة العبد ما عاش أو عاش فلان أو
يستثنى غلة الوقف ما عاش الواقف مثلاً، وهكذا
فلا بد إذن من معرفة ما حرمه الله ورسوله من العقود والشروط بالنسبة إلى كل نوع من
أنواع العقود قبل الحكم بصحة عقد أو شرط على أساس قاعدة حرية العقود والشروط.
26–
رأى ابن القيم([69]) من الحنابلة:
يقول ابن القيم: إن الحنفية والمالكية
والشافعية قالوا: إذا اشترطت الزوجة ألا يخرجها من بلدها أو دارها أو ألا يتزوج
عليها ولا يتسرى فهو شرط باطل فتركوا محض القياس بل قياس الأولى فإنهم قالوا: لو
شرطت في المهر تأجيلاً أو غير نقد البلد أو زيادة على مهر المثل لزم الوفاء بالشرط
فأين المقصود الذي لها في الشرط الأول إلى المقصود الذي في هذا الشرط وأين فواته
إلى فواته. ويقول ابن قيم أيضاً: إن الأصل في العبادات البطلان حتى يقوم الدليل
على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم الدليل على البطلان
والتحريم، وأن التحريم ما أحله الله تعالى والحرام ما حرمه الله تعالى، وما سكت
عنه فهو عفو، فكل شرط وعقد ومعاملة سكت عنها فإنه لا يجوز القول بتحريمها، فإنه
سكت عنها رحمة منه من غير نسيان أو إهمال، فكيف وقد صرحت النصوص بأنها على الإباحة
– فيما عدا ما حرمه الله سبحانه وتعالى – بأمره بالوفاء بالعقود والعهود (الآيات –
السابق ذكرها التي في المائدة وغيرها) وفي الصحيحين من حديث عقبة بن عامر عن النبي
صلى الله عليه وسلم: «إن أحق
الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج» وذكر ابن القيم أن نفاة القياس – وعلى رأسهم أهل الظاهر –
احتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب فحملوهما فوق الحجة ووسعوهما أكثر مما يسعانه
فحيث فهموا من النص حكماً أثبتوه ولم يبالوا بما وراءه وحيث لم يفهموه منه نفوه
ولجأوا إلى تحميل الاستصحاب فوق ما يستحقه ويضيف ابن القيم قائلاً: إن أصحاب الحظر
قالوا: إن كل شرط وعقد ليس في النصوص إيجابه ولا الإذن فيه فإنه لا يخلو من أحد
وجوه أربعة:
إما أن يكون صاحبه قد التزم فيه إباحة ما
حرمة الله ورسوله أو تحريم ما أباحه أو إسقاط ما أوجبه أو إيجاب ما أسقطه ولا خامس
لهذه الأقسام البتة، ويرد ابن القيم على ذلك بقوله: إن هؤلاء قد فاتهم أن هناك
قسماً خامساً وهو ما أباحه الله سبحانه للمكلف من تنويع أحكامه بالأسباب التي ملكه
إياها، فيباشر من الأسباب ما يحل له بعد أن كان حراماً عليه، ويحرمه بعد أن كان
حلالاً له، أو يوجبه بعد أن لم يكن واجباً، أو يسقطه بعد وجوبه، وليس ذلك تغيير
لأحكامه بل كل ذلك من أحكامه سبحانه فهو الذي أحل وحرم وأوجب وأسقط وإنما إلى
العبد الأسباب المقتضية لتلك الأحكام ليس إلا، فكما أن شراء الأمة ونكاح المرأة
يحل له ما كان حراماً عليه قبله وطلاقها وبيعها بالعكس يحرمها عليه ويسقط عنه ما
كان واجباً عليه من حقوقها، كذلك التزامه بالعقد والعهد والنذر والشرط وقد قال
تعالى: ﴿إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾
[النساء: 29 ]، فأباح
التجارة التي تراضى بها المتبايعان فإذا تراضيا عن شرط لا يخالف حكم الله جاز لهما
ذلك، ولا يجوز إلغاؤه وإلزامهما بما لم يلتزماه كما لا يجوز إلزامهما بما لم
يلزمهما الله ورسوله ولا بإبطال ما شرطا مما لم يحرم الله ورسوله عليهما شرطه، ومحرم
الحلال كمحلل الحرام، فهؤلاء ألغوا من شروط المتعاقدين مالم يلغه الله ورسوله، وقابلهم
آخرون من القياسيين فاعتبروا من شروط الواقفين ما ألغاه الله ورسوله، وكلا القولين
خطأ، بل الصواب إلغاء كل شرط يخالف حكم الله واعتبار كل شرط لم يحرمه الله ولم
يمنعه منه([70]).
27–
رأي الشاطبي من المالكية:
ذهب الإمام الشاطبي من المالكية إلى أن
الأصل في العقود والشروط في المعاملات هو الإباحة لا الحظر فهو يقول: [أنه إذ لم
يظهر في الشرط في المعاملات هو الإباحة لا الحظر فهو يقول: [أنه إذا لم يظهر في
الشرط منافاة لمشروطة ولا ملاءمة فان القاعدة المستمرة في أمثال هذا هي التفرقة
بين العبادات والمعاملات، فما كان من العبادات فلا يكتفى فيه بعدم المنافاة دون أن
تظهر الملاءمة لأن الأصل فيها التعبد دون الالتفات إلى المعاني، والأصل فيها أن لا
يقدم عليها إلا بإذن إذ لا مجال للعقول في اختراع العبادات فكذلك ما يتعلق بها من
شروط، وما كان من المعاملات يكتفي فيها معدم المنافاة لأن الأصل فيها الالتفات إلى
المعاني دون التعبد والأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل عليه]([71]) وهذا الرأي يتفق مع مذهب ابن تيمية وابن
القيم وإن كان ابن تيمية قد توسع وجاء بالأدلة العديدة التي تثبت قاعدة حرية
العقود والشروط.
28– ترجيح
رأي تيمية وابن القيم والشاطبي:
لقد جاء رأى هؤلاء الفقهاء الثلاثة
متفقاً مع النصوص الكتاب والسنة ومتفقاً مع أصول الشريعة وأهمها رفع الحرج عن
الناس، ومتفقاً مع طبيعة العقود والشروط، فهي مثل العادات التي أصلها الإباحة، وليست
من قبيل العبادات التي أصلها الحظر. ولقد فند ابن تيمية جميع الحجج المعارضة وقد
كفانا ابن تيمية وكذلك ابن القيم مئونة البحث عن الأدلة المثبتة لهذا الأصل الهام.
([1]) يلاحظ أن مذهب أهل الظاهر يعتبر من المذاهب
المنقرضة لعدم وجود أتباع له – إلا فيما نذر – ولقد حاول هذا المذهب تضيق دائرة
العقود، والذي حفظ هذا المذاهب من الناحية
التاريخية والنظرية هو أبو محمد بن علي بن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 هـ وقد
كتب في علم الأصول (الإحكام في أصول الأحكام) وفي الفقه كتابه المشهور (المحلى)
ولولا هذان الكتابان لما عرف إلا القليل من هذا المذهب (انظر المدخل للفقه
الإسلامي للدكتور محمد سلام مدكور ص 173 وما بعدها).
([15]) ويلاحظ هنا أن هذا المعنى نقله ابن حزم نفسه
عن ابن أبي ليلى في قصة عبد الوارث بن سعيد التنوري الذي سأل أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة بمكة فيمن باع
بيعاً واشترط فيه شرطاً فقال أبو حنيفة: البيع باطل والشرط باطل واستند إلى ما
حدثه به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
بيع وشرط؟ واستند ابن ليلى إلى حديث بريرة
في أن البيع صحيح والشرط باطل، وهذا هو الذي يفهم من كلام النبي صلى الله عليه
وسلم بالنسبة للشروط المخالفة للكتاب والسنة ولكن يبدو أن ابن أبي ليلى فهم من
الحديث أن الشرط الزائد على العقد سواء أكان مسكوتاً عنه أم منهياً عنه فهو باطل
لأنه لم يستفصل من السائل عن هذه المسألة وأعطى حكماً عاماً بالبطلان لكل شرط.
وذهب ابن شبرمة إلى أن البيع صحيح والشرط صحيح استناداً إلى حديث جابر وجمله آنف
الذكر (يراجع المحلى لابن حزم ج 8 ص 415).
([22]) روى هذا الحديث أبو داود والترمذي والحاكم
بسند صحيح. [انظر التاج الجامع للأصول للشيخ منصور على ناصف ج 2 ص 185 هامش ] وقد
روى هذا الحديث من عدة طرق مختلفة يشد بعضها بعضاً وأما كثير بن يزيد من رواة
الحديث في بعض طرقه والذي قال عنه ابن حزم: إنه هالك فقد قال عنه يحيى بن معين في
رواية إنه فقيه وضعفه في رواية أخرى. ولكن لم يقل أحد أنه كذاب حتى ينعته ابن حزم
بالهلاك فالهالك هو المحدث الكذاب وأما الضعيف فليس بهالك ما دام لم يتعمد الكذب
ولم يعرف به وقد روى هذا الحديث من طريق عبد الله بن الحسين المصيصى وهو ثقة ويقول
الشوكاني في هذا الحديث: [ ولا يخفى أن الأحاديث المذكورة والطرق يشد بعضها البعض
فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسناً ]، [ نيل الأوطار للشوكاني ج 5
ص 378 المجلد الثالث ].
([24]) رواه الدارقطني في سننه ص 502 في الرضاع
ويؤكده ما ورد في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على الناس
فحرم من أجل مسألته» [رواه البخاري في الاعتصام 13/229 ورواه مسلم أيضاً وهذا
الحديث قاطع في أن الأشياء التي سكت عنها الله تعالى الأصل فيها الإباحة أو العفو.
([31]) جاء في التلخيص الخبير: [ روى أنه صلى الله
عليه وسلم نهى عن بيع وشرط... ورويناه في الجزء الثالث من مشيخة بغداد للدمياطي ونقل فيه عن ابن أي الفوارس أنه
قال: غريب ورواه أصحاب السنن إلا ابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن
عمرو بن العاص بلفظ «لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع »] انظر التلخيص الحبير في
أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر العسقلاني مطبوع مع كتاب المجموع للنووي ج 8
ص 195، 196.
([33]) مختصر المزني ج 2 ص 203 هامش الأم للشافعي.
ويلاحظ هنا أن توسع الشافعية في تحريم الشروط الزائدة يجعلهم بالضرورة يمنعون
العقود التي سكت عنها الشرع. والتي قد يستخدمها المسلمون على مر العصور. وأما قول
الإمام الشافعي إن الشروط الزائدة في عقد الزواج هي ما حرمه الله فإن هذا غير صحيح
لأن الله تعالى لم يحرم على الرجل أن يسافر ويترك زوجته في بلدها مثلاً فهذا توسع
يجعل الشافعية يقتربون كثيراً من الظاهرية.
([46]) يقول ابن عابدين في رسالة نشر العرف: [ إن
العادة – المأخوذة من المعاودة – بتكررها ومعاودتها عدة مرات تصير معروفة مستقرة في النفوس والعقول متلقاة
بالقبول من غير علاقة ولا قربة فتصير بذلك حقيقة عرفية ] (حاشية ابن عابدين ج 5 ص
84) ويرى الكمال بن الهمام أن العادة تقتصر على العرف العملي فقط دون القولي (شرح التحرير ج 2 ص 369).
الأقسام:
الفقه القانوني الاسلامي