عمر بن الخطاب ودولة العدل

عمر بن الخطاب و دولة العدل

يُعدّ الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -أحد أهم الشخصيات البارزة في الحضارة الإسلامية وذلك لأسباب دينية وثقافية واجتماعية وحتى سياسية، لذا ليس من المستغرب أن تكون شخصية الفاروق أحد أهم أبرز 100 شخصية في كتاب مايكل هارت لأكثر مائة شخصية أحدثت تأثيرا في التاريخ، فشخصية عمر بن الخطاب على الرغم من أنها شخصية رمزية إلا أنها في الآن ذاته جدلية على مستويات عدة، وفي هذا المقال سنسعى إلى استعراض جدلية حكم عمر على مستوى الجانب المؤسسي أو المدني

إن أحد أصعب التحديات التي تواجه العالم الإسلامي هو قضية الدولة الدينية واستدعاء الرموز كقيمة أخلاقية وليست كدلالات منهجية وهو ما يجعل القضية تستشكل على الوعي العام،  وكي نتخطى هذا الإشكال المتعلق بنوع الدولة في صدر الإسلام هل هي دولة دينية أو مدنية سنقوم باستعراض نماذج من سيرة عمر بن الخطاب ونسلط عليها الضوء ونربطها بقضيتنا الأساسية وهو طبيعة الدولة.


عمر بن الخطاب ودولة العدل

إن المتأمل في أسلوب عمر بن الخطاب في الحكم يجد أن عمر من أبرز الشخصيات التي كان يستشيرها الرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف القضايا التي كانت تواجهه، كما أنه تولى القضاء في عهد أبو بكر الصديق وهذا ما ولد عند عمر بن الخطاب نظرة مستقلة تجاه الدولة وطبيعة الحكم، ومن أهم ما يمكن استخلاصه من التجربة العمرية هو العدل والحرية والاجتهاد والمصلحة أو الواقعية، فالعدل عن عمر بن الخطاب ليس خصلة يتفرد بها ويتميز بها كما يستحضرها الفكر الإسلامي بل هي منهج وضعه عمر ليكون من أساسيات الحكم، ونجد أن الخطاب الديني عندما يقوم باستحضار عمر بن الخطاب في خطاباته فإنه يركز على ربط عمر بخصلة العدل المرتبطة به بينما في الحقيقة فإن عمر بن الخطاب كان يسعى إلى أن يكون العدل أسلوبا ونظاما للحكم لذلك كان يعترف بأخطائه ويراجع أحكامه وهذا واضح في قضية “أصابت امرأة وأخطأ عمر” وقضيته مع المرأة التي ولدت في فترة أقل من تسعة أشهر حين قال “عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر” وكذلك قضية الأشخاص الذين تسلل عمر لبيوتهم، فلم يكن عمر يسعى إلى أن يجعل فكرة العدل خاصة به كما توارثها التراث الإسلامي لأنه كان يؤمن بأن العدل يجب أن يتمثل كرؤية في إدارة الدولة بمختلف أطيافها، كما أن عمر بن الخطاب سعى دائما إلى إرساء مبدأ الحرية من خلال مقولته المشهورة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟” والملاحظ أن هذا القول لم يكن عابرا أو مرتبطا بموقف معين كما تخيله لنا بعض المرويات بل كان الأمر في صدر مجلس الحكم وهو ما يعني أن القضية استعراض منهج جديد في التعامل مع المناطق الجديدة التي يتم فتحها إبان العهد العمري والاعتراف بحرية الشعوب وهو نوع من التطور المؤسسي والاجتهاد في آن ذاته كما حصل أيضا عندما منع توزيع الأراضي على الفاتحين وإيجاد منهج جديد، كما أن اعتماد عمر على نظام المؤسسات أو الوزارات المسمى بالدواوين آن ذاك من خلال الاستفادة من الفرس وأنظمتهم يعكس صورة مدنية للدولة، وكذلك إقامة تقويم للدولة وتنظيم أسماء الجنود في نظام معين يعكس أن ما قام به عمر تجاوز مسألة الاجتهاد والتعامل مع المعطيات الجديدة، إلى إيجاد صورة مؤسساتية للدولة الإسلامية بعيدة كل البعد عن قداسة الحاكم وإرساء مبدأ الشعب مصدر السلطة وحق التعبير والمواطنة.

إن استعراض طبيعة حكم عمر بن الخطاب وليس الاقتصار على شخصيته يساعد على فهم كيفية التعامل مع الرموز والشخصيات التي أثرت في الحضارة الإسلامية والبشرية، خصوصا وأن هناك من يقوم باستدعاء الرمز الديني ليرسم صورة ظلامية لواقعنا ووردية لرموزنا دون أدنى تأمل وتفكر في المعطيات والآليات مما يجعل استدعاء الرمز وسيلة للتشاؤم وتأنيب الضمير وعدم الإيمان بمستقبل أفضل.


مقال لكاتبه، ناصر الحارثي


إرسال تعليق

أحدث أقدم