بطلان الشركة ونظرية الشركة الفعلية

 بطلان الشركة والشركة الفعلية

أوضحنا سابقا أنه يلزم لنشأة الشركة صحيحة توافر أركان موضوعية عامة من رضا ومحل وسبب وأهلية، وأركان أو شروط موضوعية خاصة وهي تعدد الشركاء وتقديم الحصص ونية المشاركة واقتسام الأرباح والخسائر، كما يلزم توافر أركان شكلية وهي الكتابة والشهر. وكأي عقد آخر، فإنه يترتب على تخلف أي ركن من أركان عقد الشركة بطلانها. لكن مما تجب ملاحظته أن عقد الشركة ذاته يختلف في نواحي كثيرة عن سائر العقود، فإن البطلان المترتب على تخلف ركن من أركانه يختلف بدوره عن بطلان أي عقد
من العقود. ويمكن إجمال السمات الخاصة ببطلان عقد الشركة في أمرين أساسيين:
الأول: أن بطلان عقد الشركة ليس بطلانا من نوع واحد، ولكنه يختلف حسب الركن المتخلف، فتارة يكون بطلانا مطلقا، وأخرى يكون بطلانا نسبيا، وقد يجمع في بعض الأحيان بين سمات البطلان المطلق والنسبي، فيقال عنه بطلان من نوع خاص، وكل هذا على حسب الركن المتخلف.
الثاني: أنه وإن كان الأصل أن بطلان أي تصرف من شأنه زوال هذا التصرف بكل ما يترتب عليه من آثار بأثر رجعي، فإن بطلان عقد الشركة يقتصر في بعض الأحوال، ولاعتبارات معينة، على المستقبل فقط ودون أن يرتد إلى الماضي. وقد اصطلح على تسمية الشركة في هذه الحالة بالشركة الفعلية.
بطلان الشركة ونظرية الشركة الفعلية
المبحث الأول: طبيعة البطلان الذي يلحق عقد الشركة
كما ألمحنا، فإن البطلان المترتب على تخلف أحد أركان عقد الشركة ليس من نوع واحد، فتارة يكون من النوع النسبي، وفي أحيان أخرى يجمع البطلان بين خصائص البطلان المطلق والنسبي، وكل هذا مرده على الأرجح أهمية الركن المتخلف.
المطلب الأول: البطلان المترتب على تخلف أحد الأركان الموضوعية العامة
يلزم لنشأة الشركة صحيحة ما يلزم في سائر العقود من رضا صحيح صادر عن ذي أهلية ومحل وسبب، وليست كل هذه الأركان على قدر واحد من الأهمية، ولهذا فإن البطلان المترتب على تخلفها ليس واحدا.
1- البطلان المترتب على تعيب الرضا أو نقص الأهلية
إذا ما شاب رضاء أحد الشركاء وقت تحرير عقد الشركة عيب من العيوب المفسدة للرضا كغلط جوهري، أو تدليس أو إكراه أو نقص في الأهلية نفسه، وقع عقد الشركة باطلا والبطلان هنا بطلان نسبي فلا يحق لغير الشريك الذي شاب إرادته عيب، أو ناقص الأهلية
التمسك بهذا البطلان. وكما أن لمن عيبت إرادته أو ناقص الأهلية وحده حق طلب إبطال الشركة، فله وحده أيضا، بعد بلوغه سن الرشد، إجازة العقد صراحة أو ضمنا.
2- البطلان المترتب على عدم مشروعية المحل أو السبب
أوضحنا أنه يتعين أن يكون محل الشركة، بمعنی غرضها والذي يحدده موضوع النشاط الذي قامت الشركة المباشرته ممكنا في الواقع وجائز قانونا، وأنه يلزم أن يكون سببها مشروع، غير مخالف للنظام العام أو الآداب. فإذا ما تخلف شيء من ذلك وقع عقد الشركة
باطلا. فتبطل الشركة التي قامت مثلا لمباشرة نشاط يستحيل تحقيقه في الواقع، أو تلك التي قامت المباشرة نشاط يحظره القانون. والبطلان في الأحوال المتقدمة هو نوع من البطلان
المطلق، فيجوز لكل ذي مصلحة التمسك به، فيجوز للغير التمسك به في مواجهة الشركاء، و يجوز للشركاء التمسك به في مواجهة الغير. وإذا قضي ببطلان الشركة لعدم مشروعية محلها أو سببها عاد الشركاء إلى الحالة التي كانوا عليها قبل الدخول في الشركة. ولا يثير هذا الأمر كثير مشاكل متى كانت الشركة لم تباشر بعد أي نشاط، فيسترد كل شريك ما عسى أن يكون قد قدمه كحصة في الشركة، على أن هذا الاسترداد لا يكون تأسيسا على عقد الشركة، ولككن على أساس فكرة الإثراء بلا سبب.
المطلب الثاني : البطلان المترتب على تخلف أحد الأركان الموضوعية الخاصة
لا يكفي كما أوضحنا لقيام الشركة صحيحة أن يتوافر في عقدها ما يجب أن يتوافر في كافة العقود من رضا صحيح صادر عن كامل الأهلية، ومحل، وسبب مشروعين، وإنما يلزم توافر أركان خاصة بعقد الشركة وهي تعدد الشركاء وتقديم الحصص ونية المشاركة واقتسام الأرباح والخسائر. ويترتب على تخلف الأركان الموضوعية الخاصة بطلان الشركة، على أن هذا البطلان لا يثور عمليا إذا ما تخلف ركن تعدد الشركاء أو تقديم الحصص، ذلك لأنه متى تخلف أحد هذين الركنين فلا نكون بصدد شركة أصلا حتى يمكن الحديث عن بطلان.
وعلى ذلك تثور مسألة البطلان في حالة تخلف نية المشاركة، أو متى اختل شرط اقتسام الأرباح والخسائر بأن تضمن عقد الشركة شرط الأسد. ففي هاتين الحالتين تبطل الشركة والبطلان هنا هو بطلان مطلق، يجوز لكل ذي شأن التمسك به، ويجوز للمحكمة أن تتصدى من تلقاء نفسها.
المطلب الثالث: البطلان المترتب على تخلف أحد الأركان الشكلية
أوجب المشرع المغربي بخصوص تأسيس الشركات التجارية أن ينظم بها عقد مكتوب رسمي أو عرفي باستثناء شركة المحاصة. حيث نصت المادة 11 من قانون 95-17 المنظم الشركة المساهمة على ما يلي " يجب أن يوضع النظام الأساسي كتابة... لاتقبل بين
المساهمين أية وسيلة إثبات ضد مضمون النظام الأساسي. يجب أن تثبت الاتفاقات بين المساهمين كتابة" وهو نفس الأمر الذي ينطبق على باقي الشركات التجارية بمقتضى المادة 1 من قانون 96-5. وبناء على ذلك فإن الكتابة تعد شرط انعقاد لتأسيس الشركة التجارية تحت طائلة البطلان. كذلك نجد أن القانون يفرض تأريخ النظام الأساسي، وتضمينه مجموعة من البيانات الالزامية تختلف باختلاف نوع الشركة، وذلك تحت طائلة البطلان (المواد 1 و 5 و 50 من قانون 96-5 ).إلا أن شركة المساهمة أفرد لها المشرع أحكاما
خاصة مراعاة لأهميتها الاقتصادية، حيث أن إخلالات التأسيس لا تؤدي مباشرة إلى البطلان، حيث تنص المادة 12 من قانون 95-17 المنظم لشركة المساهمة على أنه يمكن الكل ذي مصلحة أو من النيابة العامة تقديم طلب للقضاء لتوجيه أمر بتسوية عملية التأسيس تحت طائلة غرامة تهديدية.
المبحث الثاني: آثار البطلان
تنشأ الشركة صحيحة متى استجمعت شرائطها العامة والخاصة والشكلية، فإذا ما تخلف شرط من هذه الشروط قيل أن الشركة باطلة، وكما قدمنا، فإن طبيعة البطلان وما إذا كان من النوع المطلق أو النسبي يختلف بحسب الركن أو الشرط المتخلف. وبطلان الشركة يعني بالدرجة الأولى بطلان عقدها، وكقاعدة عامة، فإنه متى بطل العقد فإن آثار هذا البطلان لا تقتصر على المستقبل فقط ولكنها تنسحب إلى الماضي، بحيث يعود المتعاقدون إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد على أن الشركة ليست عقدا فحسب ولكنها شخص اعتباري مستقل عن أشخاص الشركاء فيها. هذا الشخص الاعتباري يتأثر بالعقد لأنه مصدر وجوده، ولهذا يؤدي بطلان العقد إلى زوال الشخص الاعتباري.
هذا الأمر أثار لدى الفقه والقضاء، منذ وقت غير قريب، مشكلة على درجة كبيرة من الأهمية في حالة بطلان الشركة، ذلك لأن الأصل هو أن البطلان له أثر رجعي بالنسبة للعقد يرتد به إلى تاريخ انعقاده، في حين أنه، أي البطلان، لا يستطيع أن يلغي حياة عاشها الشخص الاعتباري في الفترة السابقة على الحكم بالبطلان، ذلك أن الشخص الاعتباري كائن قانوني أشبه ما يكون بالكائن الحي ومن غير الممكن إلغاء وجوده بالنسبة للماضي. وهكذا تتضح أشكال تطبيق أثار البطلان بالنسبة للشركة، إنها بإيجاز شديد مشكلة إعمال الأثر الرجعي للبطلان في أحوال بطلان الشركة. ولسنا نظن أن مرد هذه المشكلة، كما ذهب لذلك الفقه التقليدي، هو محو حياة عاشها الشخص المعنوي فترة من الزمن قبل الحكم بالبطلان، ذلك أن الشخصية المعنوية ليست في النهاية أكثر من حيلة أو تصور قانوني قصد به تنظيم عمل كائنات معينة ولم يكن عسيرا على الفقه تجميد، أو حتى محو حياة هذا الشخص التصوري كلما كان ذلك ضروريا. إن المشكلة الحقيقية في إعمال الأثر الرجعي للبطلان هي ما أبرمته الشركة من تصرفات قبل الحكم ببطلانها، إذ كيف يمكن محوها بأثر رجعي ومباغتة الغير الذي أطمئن لوجود الشركة وتعامل معها على هذا الأساس، كيف يتم إهدارالمراكز القانونية التي نشأت نتيجة هذه التصرفات، وقد تكون استقرت تماما، فكيف يقال أن الشركة قد بطلت وأن هذا البطلان له أثر رجعي.
لقد أرهقت كل هذه التساؤلات الفقه والقضاء ووجدوا فيما أسموه بنظرية الشركة الفعلية أو الواقعية دواء، وهو على أي حال بمثابة علاج لكل هذه المشكلات.
المطلب الأول: مضمون نظرية الشركة الفعلية
ألمحنا إلى أنه وفقا  للقواعد العامة في البطلان، فإنه متى بطل عقد الشركة اعتبر كأن لم يكن، بحيث يزول العقد وما نشأ عنه من شخص اعتباري، وكذا كافة الأثار التي ترتبت عليهبأثر رجعي وذلك سواء فيما بين المتعاقدين أو فيما بينهم وبين الغیر. كذلك أشرنا إلى أن إعمال هذه القواعد العامة في البطلان على الشركة لا يثير أية صعوبة بالنسبة للمستقبل، فبصدور الحكم بالبطلان تنقضي الشركة وما نشأ عنها من شخص معنوي بالنسبة للمستقبل، كما أنه لا يثير صعوبة بالنسبة للماضي فيما لو كانت الشركة لم تباشر أي نشاط، سواء لأن ما شابها من عيب قد أدى إلى عدم نشوئها أصلا، أو كانت قد نشأت فعلا ولكن لم يقدر لها أن تباشر أي نشاط. أما الصعوبة فتظهر واضحة عندما تكون الشركة قد عاشت فترة من الزمن
قبل الحكم ببطلانها ودخلت مع الغير في علاقات. إن إعمال الأثر الرجعي في هذه الحالة تحديدا سوف يؤدي على نتائج غير عادلة سواء بالنسبة للشركاء أنفسهم أو بالنسبة للغير. ذلك أن مقتضاه أن يسترد كل شريك حصته بصرف النظر عنا حق الشركة من أرباح في الفترة التي عاشتها قبل الحكم ببطلانها وهو أمر غير عادل بلا أدني شك. أما بالنسبة للغير فيعني إهدار كافة ما أبرمته الشركة من تعاملات والتضحية بكافة المراكز القانونية التي قد تكون ترتبت عليها ومباغتة الغير الذي اعتقد بصحة الشركة وصحة ما أبرمه معها من تصرفات.
ولقد حاول القضاء منذ زمن بعيد تلافي كل هذه النتائج غير العادلة، وبدأت هذه المحاولات بالتضييق من حالات الاستجابة لطلب البطلان وقصرها في أضيق الحدود، ثم وفي مرحلة لاحقة تركز اهتمام الفقه والقضاء على تقليص آثار البطلان، وقد كانت هذه المحاولات الأخيرة بمثابة الأرضية التي شيدت عليها نظرية الشركة الفعلية أو الواقعية. وتعني هذه النظرية أنه متى تقر ر بطلان الشركة، فإن آثار هذا البطلان تقتصر على المستقبل فقط،
فتنتهي الشركة كعقد وكشخص الاعتبارب بالنسبة للشركاء والغير على السواء. أما الفترة التي عاشتها الشركة قبل الحكم بالبطلان فلا مفر من الاعتراف بوجودها خلالها وجودا فعليا أو واقعيا وليس وجودا قانونيا. إن نظرية الشركة الفعلية أو الواقعية لیست إذن أكثر من تنظيم قانوني، أو إن شئنا، تهذيب القواعد العامة في البطلان في مجال الشركات. وهو تهذيب كان هدفه الأول والأخير إقصاء فكرة الأثر الرجعي للبطلان والمعمول بها في القواعد العامة.
ولتبرير استبعاد الأثر الرجعي للبطلان والاعتراف بصحة الشركة وصحة ما أبرمته من تصرفات في الفترة التي سبقت الحكم بالبطلان حاول الفقه والقضاء البحث عن الأساس والدعائم القانونية له. ولقد ظهرت عدة أسس في هذا المجال كاعتبارات العدالة، واستقرار المعاملات، وفكرة الظاهر والتي مقتضاها أن الغير الذي اطمئن لوجود الشركة وتعامل معها معتمدا على الظاهر، ودون علم بأسباب البطلان التي تنخر في جسدها لا يصح وليس من العدل مباغتته بانقضائها ومحو ما أجرته معه من تعاملات. ونعتقد أن نظرية الشركة الفعلية أو الواقعية أكبر من أن يستوعبها أي من هذه الأسس. فهي لم تنشأ لحماية الأغيار فقط حتی يقال إن أساسها هو حماية الغير الذي اعتمد على الظاهر وتعامل مع الشركة. إنها نشأت
الحماية الغير والشركاء على السواء. كما أن فكرة استقرار المعاملات ليست واقع لا يقدر بدوره علی تبریر واقع مثله إن نظرية الشركة الفعلية ترتبط بفكرة الشركة والدور الذي تلعبه في الحياة الاقتصادية، فبدونها تفقد الشركة كأحد الأدوات القانونية الضرورية للحياة الاقتصادية الكثير من مقومات ودواعي وجودها. إنها أحد أهم مصادر الثقة للتعامل مع الشركة، وبدونها يتردد الكثيرون
قبل الدخول مع الشركة في علاقات، فهي باختصار عماد الاستقرار القانوني في مجال الشركات.
على أي حالة، وأيا كان الأساس الذي تقوم عليه شركة الواقع، فإنه ينبغي التفرقة بين هذه الشركة، أي شركة الواقع أوالشركة الفعلية، وبين الشركة التي تنشأ من الواقع. فإذا كانت شركة الواقع هي تنظیم خاص لقواعد البطلان المطبقة على الشركات، وهو تنظيم يهدف كما قدمنا إلى إقصاء الأثر الرجعي للبطلان في هذا المجال، فإنه يقصد بالشركة التي تنشأ من الواقع الحالة التي يتعاون فيها أكثر من شخص كما لو كانوا شركاء، حيث يقومون معا باستثمار بعض أموالهم في مشروع معين ويقتسمون أرباح هذا المشروع، لكن كل هذا دون اتخاذ المساعي والإجراءات التي يستلزمها القانون لإنشاء الشركة، فلا يكتبون عقد الشركة ولا يتخذون الإجراءات اللازمة لشهرها .الخ. وتستمر هذه الحالة بين أطرافها لفترة من
الزمن، طالت أم قصرت، حتى يعرض أمرها على القضاء لسبب أو لآخر، وحينئذ يتعين على القضاء بحث أمرين الأول: هو مسألة وجود شركة من عدمه وتلك مسألة مرتبطة بتوافر الشروط العامة والخاصة اللازمة لوجود الشركة. أما الثاني فهو مسألة طبيعة هذه
الشركة ونوعها، وهذه مسألة غاية في الصعوبة على اعتبار أنه فيما عدا شركة المحاصة فإنه يجب أن يكون عقد الشركة مكتوبا وإلا كان باطلا. وبالتالي فمتی قدر القضاء أن الحالة المعروضة عليه تعد شركة نشأت من الواقع، أو شركة عفوية، فالغالب أن يكيفها على أنها
شركة محاصة.
المطلب الثاني : نطاق نظرية الشركة الفعلية
يجب أن نلاحظ أن إعمال نظرية الشركة الفعلية يقوم على مبدأ بدونه لا مجال للحديث عن هذه النظرية برمتها، وهو ضرورة أن تكون الشركة التي حكم ببطلانها قد مارست نشاطها بالفعل، أما إذا لم تكن الشركة قد مارست أي نشاط في الفترة ما بين الحكم ببطلانها وتكوينها فلا مجال لاعتبارها شركة فعلية، وتطبق القواعد العامة للبطلان بدون تحوير. فإذا ما تجاوزنا هذه الملاحظة المبدئية فإن الفكرة الأساسية التي تهيمن على نظرية الشركة الفعلية وتحدد نطاق تطبيقها هي طبيعة أو نوعية البطلان الذي لحق بالشركة وما إذا كان بطلانا نسبیا أم مطلقا. وبشكل عام فلا خلاف على إعمال نظرية الشركة الفعلية أو الواقعية في أحوال البطلان النسبي، أما حيث يكون البطلان من النوع المطلق فلا مجال لإعمال هذه النظرية وتطبق القواعد العامة في البطلان، بحيث تبطل الشركة بالنسبة للمستقبل والماضي على السواء. وبشكل أكثر تفصيلا، فإنه لا مجال للاعتراف بالوجود الفعلي للشركة في الفترة التي سبقت الحكم ببطلانها في الحالتين الآتيتين: أولا، إذا كان البطلان مبنيا على عدم توافر الأركان الموضوعية الخاصة بعقد الشركة. فعدم توافر ركن تعدد الشركاء وانعدام تقديم الحصص بالمرة يعني أن الشركة لم تقم أصلا، فلا يتصور الحديث عن شركة واقعية. كذلك الحال فيما لو انعدمت نية المشاركة أو تضمن عقد الشركة شرط أسد حيث تنتفي فكرة الشركة ذاتها فلا تقوم لا في الواقع ولا في القانون. ثانيا، بطلان الشركة لعدم مشروعية محلها أو سب بها ، ومثال البطلان لعدم مشروعية المحل أن تنشأ الشركة لاستغلال مشروع مخالف للنظام العام أو الآداب، كالإتجار في المخدرات أو لإدارة محل للقمار، ومثال عدم مشروعية سبب الشركة أن يكون الباعث الدافع لدى الشركاء من الدخول في الشركة ليس نية تحقيق الأرباح ولكن أمورا غير مشروعة كتخريب الاقتصاد الوطني. في كل هذه الحالات يكون لبطلان الشركة أثره المطلق في الماضي والمستقبل على السواء ولا يكون هناك مجال للحديث عن الشركة الفعلية.
وعلى عكس ما تقدم تقوم شركة الواقع نتيجة بطلان الشركة نسبيا في الحالتين الأتيتين:
أولا- إذا كان البطلان مؤسسا على نقص في أهلية أحد الشركاء أو لعيب شاب إرادته كغلط أو تدليس أو إكراه. غیر أنه يلاحظ بخصوص هذا العيب الأخير أن أمره يخص فقط شركات الأشخاص، حيث يلعب الاعتبار الشخصي دورا محوريا فيها. وكقاعدة عامة يترتب على بطلان الشركة بالنسبة لأحد الشركاء انهيار الاعتبار الشخصي وتبطل بالنسبة للكافة. فإذا ما حدث وبطلت الشركة، فإن هذا البطلان يقتصر على المستقبل، أما فيما يتعلق بالماضي فإن
الشركة تعد قائمة فعلا بالنسبة لباقي الشركاء.
ثانيا: إذا كان البطلان مؤسسا على تخلف الشروط الشكلية اللازمة لعقد الشركة وهي الكتابة والشهر.
المطلب الثالث: النظام القانوني للشركة الفعلية
يقصد بالنظام القانوني للشركة الفعلية مجموع القواعد التي تطبق على الشركة التي قضی ببطلانها وذلك في الفترة التي تسبق الحكم بالبطلان. ويمكن إجمال هذه القواعد في ثلاثة رئيسية: أما القاعدة الأولى فتتعلق بالشركة ذاتها، إذ يترتب على الاعتراف الفعلي بالشركة في الفترة السابقة على الحكم ببطلانها أن تعتبر الشركة في هذه الفترة كما لو كانت صحيحة تماما، فيكون لها شخصیتها المعنوية وذمتها المالية المستقلة عن ذمم الشركاء بها، وطالما كان الأمر كذلك كان من الجائز وضعها تحت التسوية أو التصفية القضائية، كذلك ولأن الشركة في هذه الفترة تعتبر صحيحة، فإن ما أبرمته من تصرفات خلال هذه الفترة يكون صحيحا بدوره، فتظل کافة تعهداتها وأيضا تعهدات وحقوق الشركاء صحيحة ومرتبة
الآثارها سواء فيما بین الشركاء أو بالنسبة للغير الذي لم يطلب البطلان. ومتى صدر الحكم ببطلان الشركة تعين حل الشركة وتصفيتها، وطالما اعتبرت الشركة كما لو كانت صحيحة في الفترة التي سبقت الحكم بالبطلان، فإن تصفية الشركة يكون بالطريقة المبينة في عقدها الاسيما من حيث كيفية تعيين المصفي وسلطاته وإجراءات التصفية .الخ.
وتتعلق القاعدة الثانية بالشركاء أنفسهم، وفي هذا الصد د فإنه باستثناء الشركاء الذين أبطلت الشركة في مواجهتهم يظل عقد الشركة صحیحا في مواجهة الشركاء الباقين بما يترتب عليه من احتفاظهم بالأرباح التي تم توزيعها عليهم بالفعل طبقا لقواعد توزيع الأرباح والخسائر المنصوص عليها في عقد الشركة. وأخيرا تتعلق القاعدة الثالثة بالغير، وكقاعدة عامة فإنه يترتب على اعتبار الشركة صحيحة في الفترة التي سبقت الحكم ببطلانها أن تظل كافة التصرفات التي كانت قد أبرمتها مع الغیر صحيحة منتجة لآثارها. هذه القاعدة الأخيرة على بساطتها تحتاج إلى بعض التفصيل، ذلك أن ما أبرمته الشركة من تصرفات مع الغير في الفترة السابقة على البطلان قد ينتج عنه أن يصبح هذا الغير مدينا للشركة كما لو كانت
الشركة قد باعت له بعض منتجاتها ولم يكن الغير قد أوفي بعد بكامل الثمن، فهنا لا يجوز للغير هذا التمسك ببطلان الشركة للتنصل من التزاماته قبلها. أما لو کان ما أبرمته الشركة من تصرفات قد تنتج عنه أن أصبح الغير دائنا للشركة فنظريا له الخيار بين أن يتمسك بصحة الشركة أو بطلانها، ولكن عمليا يتمسك دائنو الشركة ببقائها حتى يتفادوا مزاحمة الدائنين الشخصيين للشركاء. أما بالنسبة لدائني الشركاء الشخصيين، فغالبا ما يتمسكون ببطلان الشركة، لأنه متى بطلت الشركة وصفيت عادت حصة الشريك إليه واستطاع دائنوه التنفيذ عليها. وهكذا قد يتمسك بعضا من الغير ببطلان الشركة لما له من مصلحة في ذلك، في حين يتمسك آخرون ببقائها جريا وراء مصالحه أيضا. وهنا يميل الرأي الغلب إلى أنه
يتعين الحكم ببطلان الشركة لأن البطلان هو الأصل، بينما یری جانب آخر من الفقه تفضيل جانب من يتمسك ببقاء الشركة بحجة أن نظرية الشركة الفعلية لم تشرع إلا لحماية الغير الذي اعتمد على الظاهر فتتعامل مع الشركة عن غير علم بأسباب البطلان التي تنخر فيها، ولا يصح أن تنقلب هذه الحماية وبالا عن الغير.


1 تعليقات

  1. مقال واضح وشرح مستفيض .شكرا على كل المجهودات.

    ردحذف
أحدث أقدم