القضاء المستقل القوى قاطرة للتنمية

 القضاء المستقل القوى قاطرة للتنمية

 الأستاذ محمد النجاري

 الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بفاس

   إذا كانت الشرائع السماوية اهتمت بتحقيق العدل بين بني الإنسان باعتباره خليفة الله في أرضه فإن الاهتمام كان أوضح في الشريعة الإسلامية ، ذلك أن أول من شرفه الله بمهمة الحكم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين خاطبه في القرآن الكريم بقوله : " " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " " وقد أوجب الله على المؤمن احترام أحكام النبي والتسليم بأقضيته حين قال في كتابه العزيز : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " " كما أن أحاديث رسول الله في أحكام القضاء وإجراءاته كثيرة منها ( عدل ساعة خير من عبادة ستين عاما ) ومنها أيضا ( القضاة ثلاثة : قاض في الجنة وقاضيان في النار ، قاض عمل بالحق في قضائه فهو في الجنة وقاض علم الحق فجار عامدا فذلك في النار وقاض قضى بغير علم واستحيى أن يقول أني لا أعلم فهو في النار ) . ولقد اعتبرت المجتمعات المتحضرة القضاء صمام الأمن ودرع الأمان لجميع مواطنيها حكاما كانوا أو محكومين والحارس الطبيعي لحقوق أفرادها وحرياتها حاملا لواء الحق والعدل وحاميا للديمقراطية وسيادة القانون باعتباره إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها الدولة العصرية التي تعمل على تنظيم حق التقاضي وتعتبره واجبا عليها نحو مواطنيها نظرا لكون الإنسان المدني بطبعه كما يقول ابن خلدون منساق وراء المال والسلطة والشهرة والشهوة ، وفي سعيه هذا قد يدخل في منافسة الإنسان تؤدي في كثير من الأحيان إلى تضارب المصالح والمواقف تنشأ عنها نزاعات يتعين حلها بطرق سلمية لاستمرار النظام الاجتماعي مع مراعاة الوصول إلى حل عادل للنزاع بالاعتماد على نصوص سماوية أو وضعية وروح العدالة . مع أخيه ولتحقيق هذه الأهداف تنشئ الدولة قضاء يستند في أحكامه على السلطة العامة ليجبر المتنازعين على الامتثال لحكم القانون ولو بالقوة عند الاقتضاء ، كما يقوم بملاحقة الذين يقترفون الأفعال الجرمية وتطبيق العقوبات التي نصت عليها القوانين بصدد هذه الأفعال ، فالقاضي كما يقول علي منصور في كتابه نظم الحكم والإدارة في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية هو وحده الذي يستطيع أن ينفذ إلى روح المشرع وإرادة الجماعة فينفخ في النصوص الصماء ، فإذا بها تنفجر وتنبثق وتتمخض عنها حقوق وواجبات وزواجر وروادع ، وهو وحده يستطيع أن يسخر قوى الدولة وسلطان الحاكم في رد الحق لصاحبه ولو كان أصغر مواطن ويأخذه من مغتصبه ولو كان أكبر كبير ، وهو وحده يستطيع أن يحكم على الحاكم باسم الشرع ، باسم القانون وباسم العدالة وباسم المجتمع ، فيخضع الحاكم العادل سعيدا مغتبطا ويقر عينا بالعدالة وبأن يكون على رأس مجتمع سليم مؤلف من المواطنين الأحرار ، وما أحسب أن هناك وظيفة أخرى بين الوظائف تشبه عمل القاضي ، يستلهم في تطبيق القانون هاتفه الداخلي الخافت المنبعث من ضميره ووجدانه بغير حرج وبغير معقب وبغير تثريب ولا سلطان عليه ذلك إلا لصرخات الضمير ولصوت العدالة التي هي من إرادة الله ... ولقد أورد رئيس جمهورية فرنسا الأسبق فانسيان أوريول في تقريره عن حالة فرنسا بعد انتهاء رئاسته سنة 1955 ما ترجمته " يوم يفقد المواطنون ثقتهم بالعدالة تتعرض الدولة لأشد الأخطار وليس بخاف على أحد أن السلطة القضائية هي أحد الركائز الثلاث ولعل منشأ الداء هو الاعتقاد السائد بأن السلطة القضائية هي بمثابة وظيفة عامة حيث وضع القضاة في مصاف الموظفين ، وإني لأعبر عن احترامي ومساندتي لجميع الموظفين ، فما أردت أن أحط من قدر الوظائف العامة أبدا وإنما أردت التشديد على أن القضاء ليس وظيفة بل سلطة ، ولعل السلطة القضائية أهم السلطات بالنسبة للشعب لالتصاقها المباشر بشرفه وحرياته وحياته " . ومعلوم أن الإنجليز يهتمون بشخص القاضي أكثر من اهتمامهم بالنصوص القانونية لأن القاضي الصالح لا يصدر عنه إلا الخير والعدل والصواب ومن هنا كان القضاء أساسا للتنمية وتشجيع الاستثمار وهو ما عنه جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في تصريح له أمام رجال الأعمال الأمريكيين حين قال " إن العدالة هي أفضل حماية للاستثمار " ، ومعلوم أن رأس المال جبان وأنه بمجرد ما يشعر بالخطر يترك المكان فارا عبر...

تحميل المقالة بكاملها (اضغط هنا)


استقلال القضاء


إرسال تعليق

أحدث أقدم