إشـكالية صناعة القرار الضريبي وسؤال العدالة الضريبية بالمغرب - المهدي السهيمي.
" تقديم : أضحت الضريبة ، في الدولة الحديثة ، تلعب مجموعة من الأدوار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، متجاوزة بذلك النظرة التقليدية للضريبة ؛ المتمثلة في " الحياد الضريبي La neutralité fiscale " المرتبط بحصر وظيفتها في تمويل خزينة الدولة وعدم التدخل في المجالات التي هي من صميم المبادرة الخاصة ، إذ أصبحت أداة فعالة للتدخل الاقتصادي ( تشجيع الاستثمار ) والاجتماعي ( إعادة توزيع الثروات ) ، وهذا الدور غالبا ما يعبرعنه " بالغير المالي . " " extra fiscal لقد كانت الضريبة لفترة طويلة أداة لتوفير الموارد المالية التي تجبى لصالح الحكام الذين يمتلكون حق تقريرها ، كما كانت في أحيان أخرى رمزا للاستبداد والتعسف ، ولكن استثمارها تم بشكل آخر في الدول الحديثة ؛ إذ أصبح ينظر للضريبة كأحد عوامل دعم التماسك الاجتماعي ، وآلية لإعادة توزيع الثروات . ونتيجة لأهمية الضريبة ، والتطورات التي عرفتها ، لم تعد القرارات الضريبية مجالا محتكرا من طرف الحكام المستأثرين بالسلطة ، بل أصبحت تقبل التداول والتفاوض ، وبالتالي أضحى إصدار القرار الضريبي عمليا يتوخى التوفيق بين العديد من المصالح المتناقضة ، هذا التناقض يجد نفسه في مرجعيات ورهانات الفاعلين وطبيعتهم في النسق السياسي . وبين الأهداف المعلنة والرسمية للقرار الضريبي ، والرهانات الخفية الحقيقية التي تحركه ، تتشكل المسافة التي تبرز عبرها مجموعة من الأبعاد السياسية والاجتماعية التي تسم هذا القرار ، وهي مسافة تتقلص في الأنظمة التي ينبني فيها القرار السياسي على مبادئ العقلانية والشفافية والمشاركة ، في حين تكون الهوة سحيقة بين الشعارات التي يتم رفعها وحقيقة ما يسعى القرار الضريبي تحقيقه في ظل الأنظمة التي تقوم على أولوية الضبط السياسي والاجتماعي ، وتسودها قيم الولاء والمحاباة والزبونية 3 . عموما ، فإن القواعد التي تؤطر لنا صناعة القرار الضريبي هي نفسها قواعد اللعبة السياسية التي لا يجب أن تقرأ من خلال الإطار الدستوري والمؤسساتي حسب الأستاذ " جون لوكا " ، وإنما من خلال مقاربة نسقية علائقية تمكن من الوقوف على كيفية اشتغال النسق القراري . وعن الإطار المرجعي لهذا الاشتغال والتغييرات التي تحدث في هذا الوسط والظروف المساهمة في هذه التغييرات ".
وتظل دراسة سلطة الفاعلين في صناعة القرار الضريبي مرتبطة بالإطار التاريخي الذي تبلورت فيه ، وبالواقع الاقتصادي والاجتماعي المحيط بها، هنا تأتي أهمية الوقوف عند التجربة التاريخية للدولة المغربية، إذ تشكل مدخلا جوهريا لفهم عملية صناعة القرار الضريبي ، ومكانة الفاعلين وطبيعة العلاقات بينهم ، إضافة إلى فهم طبيعة العلاقة التي ينسجها المركز القراري مع المحيط الاجتماعي . إن تاريخ الضريبة في المغرب هو إلى حد كبير تاريخ تطور الدولة لما قبل الحماية ، وأثناء الفترة الاستعمارية ثم لما بعد الاستقلال.
هذه التحولات ولدت، في النهاية ، نظاما ضريبيا حديثا هو تعبير عن إرادة إدماج الاقتصاد الوطني في المسرح العالمي. لذا فإن مقاربة الفاعلين المتدخلين في صناعة القرار الضريبي في ارتباط بخصوصية الدولة المغربية وإرثها التاريخي تسمح برصد رهاناتهم وأهدافهم وتفسير اتجاهاتها وتطوراتها...".