ماهية المسؤولية العقدية (من حيث مفهومها وعناصر قيامها)

 ماهية المسؤولية العقدية (من حيث مفهومها وعناصر قيامها)

محاضرات كلية القانون-فاس 19/18

 إن معالجة هذا الفصـل يفرض علينا الوقوف على تحديد ماهية المسؤولية العقدية من خلال محاولة تحديد مفهومها وشروط قيامها ( المبحث الأول ) ، وذلك قبل الانتقال إلى تحديد العناصر الجوهرية لقيامها من خلال الوقوف على أركانها ( المبحث الثاني).

المبحث الأول : مفهوم المسؤولية العقدية وشروط قيامها.

   إن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين تفرض بقاء المتعاقدين في دائرة القوة الملزمة للعقد ما بقي التنفيذ العيني بالالتزام الناشئ عنه ممكنا ( الفصل 231 من ق.ل.ع ) ، بحيث لا يكون لأحـدهما المطالبـة بـالجزاء الـذي فرضـه القـانون لهـذه القـوة الملزمـة بإعمـال المسؤولية العقدية ، فلا يجوز للمدين أن يمتنع عن التنفيذ العيني ليعرض تعويضا عنه ، كما لا يجوز للدائن أن يعدل عن التنفيذ العيني متى كان ممكنا ، إلى اقتضاء التعويض.أما إذا امتنع المدين عن التنفيذ العيني للالتزام ، وكـان هـذا التنفيـذ غيـر ممكـن ، أو كـان ممكنـا ولـكـن الـدائن طلـب التعويض ولم يتمسك المدين بالتنفيذ العيني ( الفصل 259 من ق.ل. ع ) ( 17 ) ، فإنه في هذه الحالة تقوم المسؤولية العقدية ، فيكون المدين ، مسؤولا عن الأضرار التي يسببها للدائن نتيج عدم وفائه بالالتزامات الناشئة عن العقد ، ويلتزم بتعويضها ويتضـح مـن هـذا أن جـزاء القـوة الملزمة للعقـد يـتلخص في أمرين :

 الأول هو التنفيذ الجبري للالتزام عينا إذا كان ممكنا.

 والثاني هو المسؤولية العقدية في حالة عدم التنفيذ.

 فالمسؤولية العقدية إذن ، هي جزاء عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عن العقد ، أو التأخر في تنفيذها ( الفصـل 263 من ق.ل.ع ) ، وهذه المسؤولية لا تقوم إلا عنـد استحالة التنفيذ العيني ، ولـم يكـن مـن الممكن إجبار المدين على الوفاء بالتزاماته المتولدة عن العقد عينا ، فيكون المديـن مسؤولا عن الأضرار التي يسببها للدائن ، مما يستدعي إلزامه بتعويضها. وعليـه ، تترتب المسؤولية العقديـة عنـد الإخلال بالتزامات عقدية ، مما يفيـد أن هـذه المسؤولية تتطلب وجـود عـقـد صـحيح، أما إذا كان العقـد لـم ينعقـد بعـد، كما لو تضـرر أحد الأطراف في مرحلة المفاوضات مثلا فلا مجال لقيام المسؤولية العقدية.

 ولا مجال كذلك للمسؤولية العقدية إذا كان العقـد باطلا أو تقرر إبطاله ، كما تستبعد المسؤولية العقدية في حالة الضرر الذي يصيب الأطراف بعد انقضاء العقد وزواله بسبب فسخه، أو استحالة تنفيذه لسبب أجنبي عن فعل المدين كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي ، أو خطأ الدائن أو خطأ الغير. 

غير أن هناك حالات يبقى فيها المدين ملتزما بالتزامات معينة حتى بعد انتهاء العقد كالعامل الذي يظل ملتزما بالحفاظ على أسرار العمل الصناعية والتجارية حتى بعد انتهاء عقد العمل ، والطبيب الذي يظل ملتزما بعدم إفشاء أسرار مريضه وغيرها من الحالات التي ينص عليها العقد المبرم بين الطرفين ، كالتزام المحامي بعدم إفشاء السر المهني. 

ويشترط كذلك أن يكـون الضرر الذي لحق الدائن المضـرور ناتجـا عـن عـدم الوفـاء بالالتزامات التي رتبها هذا العقد ، وما يعد أيضا من مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالة ، وذلك بحسب طبيعة الالتزام.

 فللمضرور إذن أن يطالب المدين في إطار المسؤولية العقدية بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن الإخلال بالالتزامات التي تضمنها العقد صراحة ، وتلك التي تدخل في دائرة التعاقد لكونها من مستلزمات العقد وفق الأحكام القانونية والعرفية وكذا قواعد

هو العدالة وما تقتضيه طبيعة المعاملة ، مثلا مسؤولية رب الخدمة عن ضمان سلامة زبائنه ، كما - الحال بالنسبة لأصحاب الصالات الرياضية والحمامات والمسابح ، أو أصحاب المدارس عن سلامة التلاميذ ، إذ تكون المسؤولية المدنية هنا مسؤولية عقدية. 

ثم أيضا أن تتحقق هذه المسؤولية في إطار العلاقة التعاقدية التي تربط المتعاقدين ، بمعنى أن يكون المتعاقد المدين أو الغير إذا كان تابعا له هو المتسبب في عدم الوفاء بالالتزامات العقدية من جهة وأن يكون الدائن المضرور هو الطرف المتعاقد معه ، إذ لا مجال للمسؤولية العقدية إلا إذا قامت في إطار علاقة تعاقدية ، ويستند هذا الشرط إلى مبدأ نسبية آثار العقد ، ومفـاده أن هذه الآثار تقتصر فقط على طرفي العقد ، ولا تتعـداهما إلى الغيـر إلا بمسـوغ قانوني. 


أما إذا كان الخطأ العقدي راجعا إلى فعل الغير الذي هو أجنبي عن العقد بكـل آثاره ، وليس إلى فعل المدين ، فإن المسؤولية العقدية لا تتحقق في هذه الحالة لأن شرط حصول الإخلال بالالتزام بفعل المدين قد تعطل بخطأ الغير الذي يسأل مسؤولية تقصيرية.


المبحث الثاني : أركان المسؤولية العقدية.


  لقيام المسؤولية العقدية ، لابد من توافر عناصرها الأساسية المتمثلة في كل من الخطأ العقدي الذي يصدر عن المدين المسؤول ( المطلب الأول ) ، ثم الضرر العقدي الذي يلحق بالدائن المضـرور ( المطلب الثاني ) ، وأخيـرا علاقة سببية تربط بين كـل مـن الضـرر والخطأ العقدي ( المطلب الثالث ) . 


المطلب الأول : الخطأ العقدي.

 تفرض قاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبحسن النية ، وإذا امتنع المدين من الوفاء بالتزاماته أو تأخر في هذا الوفاء يعتبر مخطئا ، يجب عليه تعويض الدائن المضرور عن كل ما لحقه من أضرار بسبب هذا الإخلال بتنفيذ التزامات العقد ، وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين . إن الخطأ العقدي بحسب هذا المدلول يمكن أن يتحقق في حالة عدم وفاء المدين بالتزاماته ، سواء أكان عدم الوفاء منصب على كامل محل الالتزام كالطبيب الذي يتعهد بعلاج مريضه ، ولم يعالجه أو على بعضه كالمقاول الذي يتعهد بتشييد بناء ولم يتممه ، أو التأخر في هذا الوفاء ، سواء أكان هذا التأخر يشمل كامل محل الالتزام أو بعضه ، وسواء أكان هذا الالتزام مما يتضمنه العقد ، أو مما تقتضيه طبيعته ، كان يوجبه القانون . وذلك ولو لم يكن هنالك أي سوء نية من جانب المدين . 

غير أن نشوء الحق في التعويض لا يتم بمجرد الامتناع عن التنفيذ ، بل لابد من لجوء الدائن إلى إنذار المدين ، وذلك تكريسا للقاعدة التي تقول بها نظرية سلطان الإرادة في هذا الصدد ، والتي مفادها أن الدين يطلـب ولا يحمـل. 

فهذا الإنذار هو الذي يولد الحق في التعويض ، وإن كان الاستحقاق الفعلي للتعويض يعلق على إثبات هذا الحق بالبحث عن أركان المسؤولية العقدية ، وأسباب الإعفاء ، وهذا هو الذي عليه موقف قانون الالتزامات والعقود ( الفصول 255 و 256 و 257 و 262 ).

 وباستقراء منطوق هذه الفصول ، وجب علينا أن نميز بين حالة عدم تنفيذ الالتزام ، وحالة المطل :  

ففي  حالة عدم تنفيذ الالتزام نجد التشريع المغربي يكرس النتائج المترتبة عن قاعـدة " الدين يطلب ولا يحمل " ، وذلك بتعليق نشوء الحق في التعويض على وجوب قيام الدائن بإنذار المدين ولو جاء الإنذار في شكل مطالبة قضائية.

 غير أن الدائن يعفى من توجيه الإنذار إلى المدين في حالتين وقع النص عليهما في الفصل 256 من ق.ل. ع.  كالآتي : 

1- إذا رفض المدين صراحة تنفيذ التزامه،

 2 - إذا أصبح التنفيذ مستحيلا.

 أما في حالة المطل فإننا نجد التشريع المغربي يتبنى الموقف الأكثر تطرفا لنظرية سلطان الإرادة ، خاصة عندما يكون للالتزام ميعاد محدد قصد تنفيذه ( الفصل 255 من ق.ل.ع ) ، أو يكون الالتزام عبارة عن امتناع عن العمل ( الفصل 262 من ق.ل.ع ) ، ذلك أنه يعترف بنشوء الحق في التعويض بمجرد حلول الأجل أو حصول الإخلال حتى ولو لم يقم الدائن بإنذار المدين . 

ولا يتوقف نشوء الحق في التعويض عن المطل على الإنذار إلا في الحالة التي يتوفى فيها الملتزم بتنفيذ العقد قبل حلول الأجل ، فهنا لا يمكن اعتبار الورثة في حالة مطل إلا إذا وجـه لهـم أو لمـن يقـوم مقـامـهـم إنـذار صريح بتنفيذ التزام المتوفى ( الفصـل 257 مـن ق.ل. ع ) وعلى العموم فإن المدين لا يعتبر قد وفي بالتزامه إلا إذا كان تنفيذه لالتزامه قد تحقق محله تاما وكاملا من حيث كمه وكيفه وزمنه ، وحصل ذلك كله بحسن نية منه.

 ما لم يكن عدم الوفاء بالالتزام راجع إلى أسباب خارجـة عـن إرادة المـدين أو أجنبيـة عنـه. 

نـص الفصـل 242 منق.ل.ع على أنه : " لا تبرأ ذمة المدين إلا بتسليم ما ورد في الالتزام ، قدرا وصنفا . ولا يحق له أن يجبر الدائن على قبول شيء آخر غير المستحق له كما أنه ليس له أن يؤدي الالتزام بطريقة تختلف عن الطريقة التي حددها إما السند المنشئ للالتزام أو العرف عند سكوت هذا السند " .

 وهكذا، يتبين الشرط الأول في استحقاق التعويض حسب ما نص عليه الفصل 263 من ق.ل.ع. ، أن القاعدة العامة في المسؤولية العقدية هي أنها تتأسس على الخطأ ، وهو وقد نشأت نظريتن في تفسير الخطأ الاولى نظرية تدرج الخطأ العقدي اعتمدها شراح القانون الفرنسي القديم وخاصة الفقيهين دوما DOMAT الذي رسم خطوطها الرئيسية ، وكذا بوتییه Pothier ( 21 ) وقد قامت على أساس تفسير غير صحيح لنصوص وردت في موسوعة جستنيان وهجرها قانون نابليون . 

فالقانون المدني الفرنسي هجرها عندما أقر في مادته 1147 أن المدين مسؤول عن تنفيذ التزامه حتى يثبت أنه امتنع عن ذلك لسبب أجنبي لا يد له فيه ، وهناك النظرية الثانية ، التي يطلق عليها بالنظرية الحديثة - الخطأ : ومضمونها أن الخطأ العقدي هو عدم تنفيذ المتعاقد لالتزامه العقدي ، ويستوي في ذلك أن يكون الاخلال عمديا أو بإهمال منه ، أو أن ينفذ بصورة متأخرة أو بشكل جزئي ، أو على نحو معيب .

 وهذا ما أخذ به قانون الالتزامات والعقود في الفصول 263 وما بعده ، إذ جعل مجرد الإخلال بالتزامات العقد أو التقصير في تنفيذها هو خطأ عقـدي ، كما أن مجرد عـدم بالتزام في ميعاده

المحدد يعتبر في ذاته خطأ تعاقديا ، وكذلك عدم تنفيذ الالتزامات على الوجه المتفق عليه في العقد .

 ويبقى المدين مسؤولا طبقا لنص الفصلين 263 و 264 عن سوء نيته أو إهماله أو عن غش هو خطئه الجسيم ويلاحظ ، أن الفعل الذي يجعل المدين مخلا بالتزاماته العقدية ، ومسؤولا بالتالي مسؤولية عقدية ، يختلف باختلاف موضوع الالتزام ، هل هو التزام بتحقيق غاية ونتيجة ، أو التزام ببذل عناية أو بوسيلة .

 - الالتزام بتحقيق غاية أو نتيجة : في هذا النوع من الالتزام ، يتعهد المدين بتحقيق نتيجة معينة ، وهي محل الالتزام .

 ومن ثم يكون تنفيذه لالتزامه بتحقيقه لهذه النتيجة، مثال ذلك الالتزام بنقل ملكية حق عيني ، أو بإقامة بناء أو بنقل بضاعة ، أو بالامتناع عن القيام بعمل ، فمثل هذه الالتزامات لا يكون المدين قد وفي بالتزاماته إلا بتحقيق الغاية المقصودة من التعاقد ونتيجته ، وهي هنا إما نقل الحق العيني أو إقامة البناء ، أو نقل البضاعة ، أو عدم القيام بعمل . ويكفي عدم تحقيق غاية ونتيجة هذا النوع من الالتزام ، حتى يتحقق الخطأ العقدي من جانب المـدين ، وبالتالي قيـام مسؤوليته بالتعويض تجاه الدائن المضـرور ، وإن كـان قـد بـدل مجهودا كبيرا في تحقيق هذه النتيجة ولم تتحقق ، إذ العبرة بتحقيق نتيجة الالتزام ، وليس بما بدل من مجهود في سبيل تحقيقها ، ما لم يكن ذلك راجع إلى سبب أجنبي عن المدين .

 إذ إن الخطأ هنا مفترض في حق المدين ، وإذا أراد أن يدفع  عنه المسؤولية العقدية ، فإنه يجب عليه أن يقيم الدليل على وجود السبب الأجنبي الذي حال بينه وبين تنفيذ الالتزام ( الفصل 268 من ق.ل.ع ) ، أو يثبت أن عـدم وفائـه بـالالتزام يرجع إلى خطـأ الـدائن ( الفصـل 273 مـن ق.ل.ع ) .

 - الالتزام ببذل عناية أو بوسيلة : هذا النوع من الالتزامات لا تجبر المدين على تحقيق نتيجة معينة ، وإنما الالتزام هنا يقع عليه ببذل قدر معين من العناية التي تؤدي إلى الوصول للغرض المعين أو المقصود من العقد . ولذلك ، إذا بدل المدين بالالتزام قدرا من العناية فيكون قد وفي بالتزامه التعاقدي ، وهذا بغض النظر عن ما إذا تحقق الغرض أو النتيجة المنتظرة من العقد، وذلك ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك

والعناية المطلوبة من المدين هنا هي عناية الرجل العادي أو ما يسمى برب الأسرة العاقل أو الصالح . مثال ذلك التزام الطبيب بعلاج المريض ، فهو التزام ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة ، لأن الطبيب من حيث المبدأ لا يضمن للمريض الشفاء أو نجاح العلاج ، وإنما التزامه يتحقق ببذل كل ما تمليه عليه مهنته من العناية اللازمة والمطلوبة في علاج المريض ، فإذا قام بها ووفر العناية الواجبة فإنه يكون قد وفي بالتزامه حتى ولو لم تتحقق نتيجة هذا الالتزام.

 ونفس الأمر بالنسبة للمحامي ، الذي يجب عليه أن يبـذل مـن العنايـة القـدر الـكـافي لتحقيق نتيجة التزامه في الدفاع عن موكله ، ولو لم تتحقق فعلا هذه النتيجة ، كذلك التزام المكتري للعين المكتراة باستعماله للعين المكراة في الغرض المخصص لها ، وفي المحافظة عليها بما يبذله الرجل العادي من العناية المطلوبة في المحافظة على ملكه ، والتزام المستعير ببذل العناية اللازمة في المحافظة على الشيء المعار وفق ما يبذله الرجل العادي في المحافظة على ماله . وعليه ، فإن الالتزام ببذل عناية يكون الخطأ فيه هو عدم بذل القدر الواجب من العناية ، فلا يكفي من الدائن إثبات عدم تنفيذ المدين لالتزامه ، بل عليه إثبات الخطأ العقدي في كون هذا المدين لم يقم ببذل العناية المطلوبة واللازمة في تنفيذ التزامه . 

وبالنسبة للمسؤولية العقدية عن خطأ الغير ، فإن تحقق مسؤولية المدين هذه الصورة ، تستبعد معها كل حالات مسؤوليته العقدية عن خطئه الشخصي . ومن ذلك حالة ما إذا كان المدين قد تعهد شخصيا بتنفيذ الالتزام ، وحصل أن خالف هذا الالتزام ، بأن عهد مثلا إلى الغير بتنفيذ الالتزام بذلا عنه ، فهنا تقوم مسؤوليته على أساس خطئه الشخصي ، وليس على خطأ الغير ، ومنها أيضا حالة ما إذا كان تدخل الغير لمنع تنفيذ الالتزام بالتواطؤ مع المدين ، إذ تقوم مسؤولية المدين هنا على أساس الخطأ الشخصي لا أساس خطأ الغير.

 وعلى ذلك ، يكون الوضع الطبيعي لمسؤولية المدين عن · خطأ الغير هي ' حالة حلول هذا الغير محل المدين حلولا صحيحا في تنفيذ التزامه ، ويتحقق ذلك إذا كلف المدين الغير ، أو كان هذا التكليف بإذن من الدائن المضرور ، أو من القانون كما هو الشأن بالنسبة لمسؤولية النائب الشرعي في ما يبرمه من عقود نيابة عن المحجور ، نص الفصل 233 من ق.ل.ع على أنه : " يكون المدين مسؤولا عن فعل نائبه أو خطئه وعن فعل أو خطأ الأشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ التزامه ، في نفس الحدود التي يسأل فيها عن خطأ نفسه ، وذلك مع حفظ حقـه فـي الرجوع على الأشخاص الذين يتحمل المسؤولية عنهم وفقا لما يقضي به القانون " . 

وهكذا ، إذا كان عدم وفاء المدين بالتزامه التعاقدي يرجع إلى فعل أحد أتباعه أو إلى أحلـه محـلـه في تنفيذ الالتزام كالمقاول من الباطن ( 23 ) أو المستأجر من الباطن ( * ) ، أو كان يرجع إلى خطأ نائب عن المدين " ن ( 25 ) ، أو إلى خطأ شخص تابع للمدين في تنفيذه لالتزامه ( 26 ) ، ففي كل هذه الأحوال يتحقق الخطأ العقدي عن خطأ الغير ، وتتحقق معه فعل شخص آخر مسؤولية المدين العقدية عن خطأ هذا الغير . 

ولا يعد خطأ الغير في هذه الحالات من قبيل السبب الأجنبي الذي تدفع به المسؤولية العقدية عن المدين ، كما هو الشأن بالنسبة لخطأ الغير ، عندما يكون هذا الغير أجنبيا عن المدين.


 ومن البديهي أن لقيام المسؤولية العقدية عن فعل الغير شروط ، وهي : 

وجود عقد - صحيح بين المدين في العقد الأصلي والدائن رب العمل ، ثم ارتكاب الغير للخطأ العقدي مع تجرد المتعاقد نفسه من ارتكاب أي خطأ قد يشترك في عدم الوفاء بالالتزام ، وأخيرا أن يعهد المدين الى الغير بتنفيذ الالتزام ، أو أن يمارس هذا الغير حقا من حقوق المدين برضاه الصريح أو الضمني وإذا تحققت مسؤولية المدين العقدية عن خطأ الغير قبل دائنه المضرور ، كان له أن يرجع على الغير الذي تسبب بفعله في ترتيب خطأ المدين بما أداه للدائن المضرور من تعويض ، إما علـى أسـاس المسـؤولية العقديـة ، إذا كـان قـد كـلفـه بتنفيـذ العقـد ولـم ينفـذه ، وإما على أساس المسؤولية التقصيرية ، إذا كان فعل الغير بتنفيذ العقد لا يجد أساسه في أي عقد ، كما لو كان مثلا بتكليف من القانون ، أو بحكم من القضاء ( مدلول الفصل 233 المذكور ) .  أما بالنسبة للمسؤولية العقدية عن فعل الشيء ، فيراد بها أن إخلال المدين بتنفيذ العقد لا يرجع إلى فعله الشخصي ، بل إلى فعل شيء ، أي إلى تدخل إيجابي من شيء أ حراسته ، ويضـرب الأستاذ السنهوري في هذا الخصوص مثلا فـي قـول إن البائع يسلم الآلة المبيعة للمشتري فتنفجر الآلة في يد المشتري فتصيبه بضرر في نفسه أوفي ماله ، فيصبح البائع مسؤولا بمقتضى التزامه العقـدي مـن ضـمان العيوب الخفيـة ، وليس عـن سـوء استعمال المشتري لها ، ولم ينشأ هذا الضمان عن حالة سلبية للآلة المبيعة كوجود عيب فيها ، بل عن حالة إيجابية هي انفجار الآلة ، فيكون البائع مسؤولا مسؤولية عقدية لا عن فعله الشخصي بل عن فعل شيء. 

أيضا يمكن أن نجد حالة المدين المكتري الذي يكون مسؤولا مسؤولية عقدية عن فعل الشيء الذي تحت حراسته ، بسبب ما قد يحدثه هذا الشيء من أضرار بالدائن المكري ، نتيجة مثلا تسرب مواد متفجرة واحتراق العين المكراة ، أو أن يقوم المدين بتنفيذ العقد عن طريق استعماله شيئا فيصيب هذا الشيء الدائن بأضرار ، فالناقل مثلا في عقد النقل يكون مسؤولا عن سلامة الركاب ، فإذا اصطدم القطار مثلا أو انقلبت السيارة أو سقطت الطائرة وأحدث أضرار بالركاب ، فإنه يكون مسؤولا مسؤولية عقدية ، نتيجة إخلاله بالالتزام بسلامة الراكب ، لكن المسؤولية العقدية هنا لا تقوم على أساس الفعلي الشخصي ، وإنما عن فعل الشيء . كذلك نجـد مـن تطبيقات هذه المسؤولية الحوادث والإصابات التي تلحق الزبائن في الصالات الرياضية والحمامات والفنادق والمسارح والمسابح وغيرها . ففي كل هذه الحالات ، تقوم المسؤولية العقدية للمدين ، ويكون أساس هذه المسؤولية ليس فعله الشخصي ، وإنما فعل الشيء الذي تحت حراسته ، ولا يعتبر تدخل هذا الشيء بفعله في حدوث الضرر بالدائن سببا أجنبيا تدفع به مسؤولية المدين . أما بالنسبة لإثبات الخطأ العقدي ، فيمكن القول إن الدائن في هذا الفرض لا يطالب المدين بالتنفيذ العيني للالتزام ، حتى يكون ملزما بإثباته ( الفصل 399 من ق.ل.ع ) ، بل يطالبه بالتعويض لعدم وفائه بالالتزام أو التأخر في هذا الوفاء . وإذا أثبت المدعي وجود الالتزام ، كان على من يدعي انقضاءه أو عدم نفاذه تجاهه أن يثبت ادعاءه ( الفصل 400 من ق.ل.ع ) . وعليـه ، مادام أن الدائن المضـرور هـو الذي يدعي أن المدين لـم يـف بالتزامه ويطالبه بسبب ذلك بالتعويض ، فإنه بالنسبة للالتزام ببـدل عناية أو وسيلة التي يكـون فـيـه المـدين مسؤولا عن ما ينبغي بذله من العناية اللازمة لتحقيق نتيجة الالتزام ولو تتحقق فعلا ، فإن المبدأ هنا هو أن المدين يعتبر موف بالتزامه فقط ببذل هذه الوسيلة أو العناية كالتزام المحامي والطبيب مثلا ، وعلى من يدعي خلاف هذا الأصل وهو هنا الدائن المضرور ، عليه أن يثبت أن المدين لم ينفذ التزاماته .


 أما إذا كان التزام المدين التزاما سلبيا يتمثل في تعهده بالامتناع عن القيام بعمل ما وأخل المدين به ، فإن الخطأ العقـدي يكـون هنا أيضا مفترضا ولو أنه تعلق بالتزام بتحقيق نتيجة ، ويكون إثباته على عاتق الدائن المضـرور ، وذلك بإثبات إخلال مدينه بالتزامه المتمثل في خروجه عن مضمون الامتناع الواجب عليه بمقتضى العقد ، لأنه لا يمكن تصور إلزام المدين بإثبات عدم إخلاله بالالتزام الذي مضمونه عدم القيام بعمل ، وهو واقعة سلبية بوسيلة سلبية . ولذلك ، فإن المنطق القانوني يفرض أن يكون عبء إثبات الخطأ العقدي هنا واقع على عاتق الدائن وليس المدين . لكـن الأمر يختلف متى كان المدين ملتزما بتحقيق نتيجة إيجابية وكـان محـل التزامه متمثلا في إعطاء شيء أو القيام بعمل ، إذ يتعذر هنا من الناحية العملية على الدائن أن يثبت عدم تنفيذ المدين لالتزامه ، لأنه يكون ملزما بإثبات واقعة سلبية . 



لذلك ، فإن المنطق القانوني يفرض هنا الوقوف عند حد مطالبة الدائن بإثبات الالتزام ليكلف المدين بإثبات براءة ذمته منه حسب مدلول الفصل 400 من ق.ل.ع المذكور أعلاه . ولما كان على الدائن أيضا أن يثبت الضرر ، وكانت علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر مفترضة ، فان الدائن متى أثبت عدم تنفيذ المدين لالتزامه وأثبت الضرر الذي أصابه يكون قد اضطلع بما يقع على عاتقه من إثبات ، فيستحق التعويض وهذا ما لم ينف المدين علاقة السببية المفترضة بإثبات السبب الأجنبي طبقا للفصل 268 من ق.ل. ع ( 29 ) . فيكون المدين دائما هـو مـن يتحمل عبء نفي الخطأ العقدي سواء أكان الالتزام بتحقيق نتيجة أو ببذل عناية ، أو بضمان السلامة ، وسواء أكان الدائن يرجع على المدين بالتنفيذ العيني أو بالتنفيذ بطريقة التعويض.



 المطلب الثاني : الضرر العقدي.


 إن العقد في مفهوم نظرية سلطان الإرادة له غاية منفعية ، إذ الأشخاص لا يتعاقدون إلا قصد الحصول على منفعة أو تحقيق مصلحة.


 وعـدم تنفيذ العقـد يمـس بهذه المنفعة أو المصلحة ، الشيء الذي يؤدي بالامتناع عن التنفيذ إلى إلحاق ضرر بالدائن يستوجب التعويض وفقا للمسؤولية العقدية . فالضرر هو الركن الثاني في المسؤولية العقدية سواء أ أكانت مسؤولية عن الفعل الشخصي أو عن فعل الغير ، أو عن فعل الأشياء . إذا الجدير بالذكر أن المسؤولية العقدية وجدت من أجل إصلاح وجبر الضرر الذي حصل للدائن مما يبين أهمية هذا الركن ، إذ لا مسؤولية عقديـة بـدون ضرر ، وهو أمر يحول دون قبول دعـوى المسؤولية ، وذلك طبق القاعدة " لا دعوى بدون مصلحة ". 


كانا ناتجين والضـرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام ( الفصل 264 من ق.ل.ع ) ، أو بعبارة أخرى هو الأذى الذي يصيب الدائن في حق من حقوقه ، أو بمصلحة مشروعة نتيجة عدم وفاء المدين بالتزاماته العقدية وفاء كاملا وتاما من حيث كمه ونوعه وزمنه . ويستوي بعد ذلك أن يكون الحق أو المصلحة التي لحقها الضرر مادية أو معنوية. 


ويمكن القول إن الضرر الناشئ عن الاخلال بالالتزام العقدي يتوزع الى الأنواع الآتية : 


الضرر المادي : يقصد به الخسارة الذي يصيب الشخص في ذمته المالية أي في ثروته المالية بعضها أو كلها ، أو تفويت كسب وضياع فرصة مشروعة. 

والضرر المادي بهذا المعنى هو افتقار مالي يمس بالحقوق المالية للدائن للمتضرر ، بغض النظر عن طبيعة هذه الحقوق المالية ، سواء أكانت حقوق شخصية دائنية متمثلة في كل خسارة تلحق عمل ذو قيمة مالية " قيام بعمل أو امتناع عن القيام بعمل أو إعطاء شيء " ( 31 ) ، أو كانت حقوق عينية عقارية متمثلة كل " خسارة تلحق بحق من الحقوق العينية العقارية " أو حقوق عينية منقولة ، أو حقوق معنوية منقولة ، فتنقص منها أو تعدمها أو تفوت عليها كسب مشروع . كما يتمثـل الضـر المـادي كضـر مـالي أيضـا فـي الخسارة التي تلحق جسـد الـدائن المضرور نتيجة الاخلال بالالتزام العقدي . والضرر الجسدي بهذا المعنى يراد به الأذى الذي يقع على جسد الإنسان في سببله ضررا ماليا نتيجة تعطيل وظيفة الجسد في إبرام تصرفات أو في الى القيام بأعمال ذات قيمة مالية ، ضرر جسدي مميت يعطل جميع وظائف الجسد ويفضي إزهاق الروح. 


ومن التطبيقات العملية للإخلال بالالتزام العقدي المؤدي إلى إنهاء الحق في الحياة ، ارتكاب الطبيب أو الجراح لخطأ طبي في التشخيص أو خلال العلاج أو أثناء إجراء عملية جراحية . وقد يكون الضرر الجسدي غير مميت يعطل بعض وظائف الجسد ويلحق الأذى بالحق في السلامة الجسدية والصحية للدائن ، يؤثر على قيامه بعمل ذو قيمة مالية ، فتلحق الخسارة ذمته المالية بتعطيل نشاط الجسد كليا أو جزئيا. 

ولعل أوضح مثال على ذلك إخلال الناقل بعقد النقل وارتكابه لخطأ أدى إلى حصول ضرر جسدي للدائن كالكسر في الساق أو اليد أو في سلامته البدنية والصحية . والضرر المادي الجسدي في هذا المعنى هو كل ما يصيب الدائن في جسده بالشكل الذي يسبب له خسارة مالية ، وافتقار في ذمته المالية ، إما بوفاته أو بتعطيل وظيفته ، والخسارة تقدر هنا على أساس مالي ، وليس على أساس معنوي أو أدبي كما هو الحال بالنسبة للضرر المعنوي . 


- الضرر المعنوي : أو ما يعرف أيضا بالضرر الأدبي تلك الخسارة التي لا تصيب الدائن في ذمته المالية ، وإنما هو ذلك الأذى الذي يمس الدائن في كرامته أو شرفه أو عرضه أو عاطفته ... أو في أي حق من حقوق شخصيته التي لا يمكن أن تمثل محل للالتزام لأنها ليس مالية ولا تقوم بالمال ، لكن الاعتداء عليها يرتب التزاما بتعويض الأضرار التي تلحقها .



 وإذا كان هذا النوع من الأضرار يجد تطبيقاته الواسعة في مجال المسؤولية التقصيرية ، فإن الأمر لا يمنع من حدوثه في مجال المسؤولية العقدية ، ومثاله الضرر المعنوي الذي قد يصيب الدائن ، فيما يلحق به من ألم أو يحدث فيه من تشويه ، أو يصيب الشرف والاعتبار بالذمـة والعرض وقـد يصيب العاطفة والحنان والشعور ( 32 ) ، أو غير ذلك مـن غيـر أن يمس المالية للدائن المضرور بأي خسارة مالية أو اقتصادية . وقد أثار التعويض عن الضرر المعنوي ، وعلى الأخص فيما يتعلق بالمسؤولية العقدية جدلا في الفقه والقضاء . إذ كان هناك من عارض مبدأ التعويض عن الضرر المعنوي بحجة أن مثل هذا الضرر لا ينقص من الذمة المالية للمضرور في شيء ، وأنه من الصعب تقديره نقدا ، وأن التعويض في . هذه الحالة لا يزيل الضرر ، فلا يمكن للمال أن يمحي جروح الألم النفسي من حزن أو آلام وغيرها ، غير أن الرأي الراجح الذي به العمل هو الذي يأخذ بتعويض 1 الضرر المعنوي العقدي. 


ويشترط في الضـرر سـواء أكـان ضـررا ماديا أو معنويا ، أن يكون شخصيا ، ومحقق او مباشر او متوقعا . وهذه هي التي تمثل شروط الضرر.



- أن يكون الضرر شخصيا : أي أن يصيب شخص الدائن في حق من حقوقه أو في مصلحة مشروعة لـه ، بمعنى أنه لا يـحـق لغيـر المتعاقـد أي الأجنبـي عـن العقـد أن يطالـب باستحقاق التعويض عن الضرر الذي لم يصبه شخصيا وإنما أصاب الشخص المتعاقد ، إلا إذا كان لهذه المطالبة سببا قانونيا آخر ، كما في حالة الخلف العام حيث يحق للورثة المطالبة بالتعويض الذي لحق مورثهم ولو لم يكونوا طرفا في العقد ، أو كما في حالة الاشتراط لمصلحة الغير ، حيث يحـق مثلا للمنتفع المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت المشترط إذا تضمن بند الاشتراط حق المنتفع باستحقاق هذا التعويض مباشرة من المتعهد.


 أن شرط شخصية الضرر لا يطابق شخصية استحقاق التعويض ، فشرط شخصية الضرر يتقيد بصفة الدائن ، وعلى هذا الفهـم نص الفصل 264 من ق.ل.ع على أن : " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من کسب متی كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام ... " ، أما شخصية التعويض فهي مبدئيا الدائن المضـرور ، وقـد يكـون غيره إذا ثبت لنقل هذا التعويض إليه سببه القانوني . بمعنی - أن يكون الضرر محققا : ويكون كذلك إذا كان حالا ، أي وقع فعلا ، بمعنى أ أن الضرر قد أصبح حقيقة لا وهما أو كذبا وذلك بحصول أسبابة وترتب نتائجه ، فصار محققا حاصلا بالفعل ومتجسدة آثاره على الواقع . أو بحصول أسبابه وتراخي نتائجه ، فيكون هذه الحالة ضررا وشيك الوقوع ، أو ضررا مستقبليا ، طالما يكون وقوعه مستقبلا أمرا محققا وأكيدا ، ولو بحسب المآل وليس في الحال . وطالما أمكن للمضرور إثباته وللمحكمة تقديره . وإذا زاد هذا التقدير عن حده أو نقص عنه ، حق للمفتقر المطالبة باسترداده ، أو تكملته . أما بالنسبة للضرر الاحتمالي فهو ضرر لم يتحقق بعد ، فهو وإن وقعت أسبابه ، فهو لم تتضح معالمه كما لم تظهر نتائجه ، إذ إن أمر وقوعه وتحققه يبقى في المستقبل مجرد احتمال قد يتحقق وقد لا يتحقق ، وبما أن وقوعه مستقبلا أمر ليس بالأكيد ، فلذلك لا يمكن المطالبة بالتعويض عنه. 



- أن يكون الضرر مباشرا : يقصد بالضرر المباشر ذلك الضرر الذي ينجم مباشرة عن الخطأ العقدي ، أي عدم الوفاء بالالتزام أو التأخر في الوفاء ، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية للخطأ العقدي إذا لم يكن باستطاعة الدائن توقيه ببذل جهـد معقول ( الفصل 264 من ق.ل.ع ) ، وهذا الجهد المعقول يقصد به الجهد الذي يبذله الشخص العادي في تنفيذ التزاماته.



ولذلك، فالضرر المباشر هو النتيجة الطبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو التأخر فيه. وقد أشار إلى هذا الشرط الفصل 264 من ق.ل. ع بتنصيصه على أن : " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام ... " .هو 


- أن يكون الضرر متوقعا : ويقصد بذلك ما كان محتمل الحصول ويمكن توقعه ، ورغم أن قانون الالتزامات والعقـود لـم يشـر إلى هذا الشرط ، فإن تقريره وتطبيقه تشهد لـه عـدة تبريرات منطقية ، فبالإضافة إلى التنصيص عليه في عدد من التشريعات المدنية ( 33 ) ، فإن طبيعة المسؤولية العقدية ذاتهـا تقـوم على التوقع ، فكـل طـرف متعاقد لا يتعاقد إلا على أساس ما تتوقعه إرادتـه مـن ربـح أو خسارة من وراء التعاقد ، وعلى أساس أيضـا مـا تتوقعـه مـن مـقـدار التكاليف التي ستتحملها عند خرق القوة الملزمة للعقد . وكنتيجة لهذه الفكرة أيضـا . 


أن الدائن عند تعاقده يسعى إلى التنفيذ العيني للعقد ، لأن عامل الربح هو المسيطر من الناحية المبدئية على نظرية سلطان الإرادة ، وليس السعي وراء التعويض لأنه لا يعدو وسيلة لجبر الأضرار بتعويض مناسب يختل فيه معيار الربح على عكس الخسارة التي تعتبر سببه ، ولذلك فالمدين لا يتعهد بالالتزام إلا بما يستطيع تنفيذه ، أو تعويضه في حالة الإخلال بهذا الوفاء ، أي إنه لا يلتزم إلا لأنه أراد ، وفي حدود ما أراد ، والإرادة هنا لا يمكن أن تقاس إلا بالتوقع ، وبالتالي فإن المدين لا يتحمل بالتعويض إلا في حدود ما توقعته إرادته وقت التعاقد ، وكأن إرادة المتعاقدين تستند إلى اتفاق ضمني بين الدائن والمدين مقتضاه أن التعويض يحكمه شرط عدم تجاوز الأضرار المتوقعة عند التعاقد ، أو عدم تحمل المدين إلا بالتعويض المعتادوالعادل.



 ويرجع في تقدير توقع الضرر من عدم توقعه إلى معيار موضوعي قوامه الرجل العادي ، وليس إلى معيار ذاتي مرتبط بشخص المدين فعلا ، وذلك وقت إبرام العقد ، ومثال ذلك : ضياع حقيبة من الحقائب المشحونة عن طريق السكك الحديدية أو غيرها ، فالشركة هنا لا تسأل إلا عن القيمة المعقولة لحقيبة عادية أي الضرر المتوقع ، ولو كان بداخل الحقيبة مجوهرات أو أشياء ثمينة . ومن هنا فالمـدين في الالتزامات التعاقدية لا يسأل في القاعدة العامة إلا عن الضـرر المباشر المتوقع عادة وقت التعاقد ، ومع ذلك إذا كان الإخلال بالالتزام يرجع إلى غشه ، أو إلى خطئه الجسيم ، فإنه يكون مسؤولا عن جميع الأضرار المتوقعة منه وغير المتوقعة .



 المطلب الثالث : العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر.



 العقدي يعتبر توافر علاقة السبية بين الخطأ الذي يرتكبه المدين والضرر الذي يلحق الدائن ركنا جوهريا لقيام مسؤولية المدين العقدية ، فلا يكفي أن يقع الخطأ من المدين ، وأن يلحق ضرر بالدائن حتى تقوم المسؤولية العقدية ، بل لا بد أن يكون هذا الخطأ هو السبب الطبيعي في حدوث هذا الضرر ، وأن يكون هذا الضرر نتيجة طبيعية للخطأ العقدي ، وهذا هو معنى العلاقة السببية : بين الخطأ والضـرر . وقـد أكـد على هذه الرابطة السببية كـل مـن الفصـل 263 من ق.ل.ع الذي نص على أنه : " يستحق التعويض ، إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام ، وإما بسبب التأخر في الوفاء به ... " ، والفصل 264 الذي عرف الضرر الموجب للتعويض في كل : " ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام " ، وأيضا ما يمكن أن يستنتج من مفهوم الفصل 268 الذي نص على أنه : " لا محل لأي تعويض ، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخر فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه ، كالقوة القاهرة ، أو الحادث الفجائي أو مطل الدائن " . وفيما يتعلق بإثبات هذه العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر ، فمن المستقر عليه فقها ( 34 ) ، وتشريعا ، وقضاء ( 35 ) ، أن الدائن ملزم بإثبات العلاقة السببية بين خطأ المدين والضرر الذي لحق به ، وهذا أمر ليس بالعسير ، خصوصا أن التدليل على وجود هذه العلاقة من أمور الواقع التي يمكن إثباتها بكل وسائل الإثبات، ذلك أن إثبات الخطأ والضرر يكفي لافتراض العلاقة السببية بينهما وذلك طبقا للقواعد العامة في عبء الإثبات ومحل الإثبات ، فالمدعي في الإثبات لا يتحتم عليه أن يقيم الدليل على جميع الواقعة التي يدعيها ، وإنما حسبه أ يبرهن على قدر من هذه العناصر ليفترض ثبوت الباقي منها ، ولهذا فكثيرا ما يتم ا التدليل على العلاقة السببية من خلال الظروف والملابسات المحيطة بالنزاع ، فيستشف منها القاضي قيام قرائن قضائية على توافر هذه العلاقة السببية . 



لكن الوضع على خلاف ذلك عندما يتعلق الأمر بالحالات الخاصة أو الاستثنائية لهذه المسؤولية خصوصا تلك التي تقوم على افتراض المسؤولية في جانب المدين كالمسؤولية الملقاة على عاتق المعماريين في إطار ما يسمى بالضمان العشري ، وكذا مسؤولية الناقل البري ، إذ إن الدائن المطالب بالتعويض في إطار هذا النوع من المسؤوليات التي تقوم على أساس تحقيق نتيجة معينة ، لا يلزم إلا بإثبات الضـرر العقدي ، أما الخطأ فهو مفترض في جانب المدين ، وتبعا لذلك تكون العلاقة السببية مفترضة بين هذا الخطأ والضرر الثابت ( 37 ) ، وذلك بتطابق واقعة الضرر الذي لحق بالدائن المضرور مع واقعةعدم الوفاء بالالتزام ، أوالتأخر في الوفاء به ، الشيء الذي يجعل هذه الواقعة المادية قرينة على قيام العلاقة السببية ، لذلك فإن عبء الإثبات لا يقع كما يقضي بذلك المبدأ العام في إثبات المسؤولية على عاتق الدائن ، وإنما ينقلب على عاتق المدين ، الذي يكون عليه إذا أراد التحلل من الضمان والمسؤولية ، أن يثبت أن عـدم الوفاء بالالتزام أو التأخر فيه لا يمكن أن يعزى إليه ، وإنما هو نتيجة لسبب أجنبي .


أما بخصوص نفي العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر ، فيمكن القول إنه إذا ثبت ضرر المضـرور ، وثبت الخطـأ العقـدي في جانب المـدين ، فإنه لا تنتفـي عـن هـذا الأخيـر المسؤولية العقدية إلا بقيامه بنفي هذه العلاقة السببية ، وذلك بإثبات أن الضرر الذي لحق المضرور يرجع إلى سبب أجنبي . عنه ، أي أن يثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخر فيـه ناشئ عـن سبب لا يمكن أن يعزى إليـه ، كالقوة القاهرة ، أو الحادث الفجائي أو مطـل الدائن ( 38 ) أو فعل الغير . 



1 – القوة القاهرة أو الحادث الفجائي : تعتبر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي من أهم الأسباب الأجنبية التي تنفي العلاقة السببية في المسؤولية العقدية ، وعلى خلاف ما كان يراه الفقه التقليدي من اختلافبين القوة القاهرة والحادث المفاجئ ، وذلك على أساس أن القوة القاهرة هي مالا يمكن دفعه بالنسبة لعامة الناس ، أما الحادث الفجائي فهو مالا يمكن توقعه بالنسبة للبعض فقط ، وأن القوة القاهرة تجعل استحالة التنفيذ مطلقة ، أما الحادث المفاجئ فهو يجعل استحالة التنفيذ نسبية فقط ، كما أن القوة القاهرة تتعلق بأحداث خارجة عن فعل المدين كحرب ، أو زلزال ، فتكون القوة القاهرة هي وحدها السبب الأجنبي الذي يحول دون قيام المسؤولية ، أما الحادث الفجائي فهو ذو مصدر داخلي مرتبط بفعل المدين ، فلا يمنع من تحقق هذه المسؤولية ، فإن الفقه الحديث ( 40 ) يذهب إلى التسوية بين القوة القاهرة والحادث الفجائي ، خصوصا فيما يرتبانه من أثر على نفي العلاقة السبية ، ودفع المسؤولية والتعويض عن المدين ، وهذا ما اعتمده قانون الالتزامات والعقود المغربي عندما نص في الفصل 268 على أنه : " لا محل لأي تعويض ، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخر فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه ، كالقوة القاهرة ، أو الحادث الفجائي ... " ، وإن كان قد اقتصر على تعريف القـوة القاهرة دون الحادث الفجائي ، فنص في الفصـل 269 على أن : " القـوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه ، كالظواهر الطبيعية ( الفيضانا والجفاف والعواصف والحرائق والجراد ) وغارات العدو وفعل السلطة ، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا . 


ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه ، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه ، وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين " . 


ومهما يكون من اختلاف غير جوهري بين القوة القاهرة والحادث الفجائي ، فإن المهم هو توحدهما على ترتيب نفس الأثر بخصوص نفي العلاقة السببية عن المدين ودفع المسؤولية العقدية عنه ، كما أنهما يشتركان في نفس الشروط التي ينبغي توافرهـا فـي كـل منهما حتى ينتجان هذا الأثر . وتتحدد هذه الشروط في كون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي أمرا لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه ، وأن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا ، وألا يكون للمدين يد في حصوله . وفي ما يلي تفصيل بسيط لهذه الشروط : 



أن يكون الحادث من غير الممكن توقع حصوله : وعدم إمكانية التوقع هنا يجبأن تكون مطلقة ، أي مستحيلة التوقع على عامة الناس ، لا نسبية بمعنى صعبة التوقع على المدين فقط ، وإلا كيفت عجزا منه ، وبالتالي لا تدفع المسؤولية عنه ولو استحال عليه دفعه . والمعيار المعتمد في تقدير المحكمة لواقعة توقع الحادث من عدم توقعه ، هو معيار موضوعي مجرد أساسه الرجل العادي ، فإذا استحال على مثله توقع حصول الحادث ، كنا أمام قـوة قاهرة أو حادث فجائي بكـل آثارهما ، مهما بلغت درجة المـدين من الفطنة واليقظة ، وبالمقابل إذا كان الحادث أمرا من الممكن توقعه من الرجل العادي ، ولو طرح معه صعوبة في التوقع ، انتفت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي بكـل آثارهما ، وتحمل المدين المسؤولية العقدية لخطئه العقدي . والعبرة بتحقق شرط عدم توقع حصول الحادث ، تكون لوقت إبرام العقد. وإذا كانت القوة القاهرة تعتبر سببا أجنبيا يعفي المدين من المسؤولية ، فإن نطاقها الذي وقع تحديده في الفصل 269 من ق.ل.ع ، يجب أن ينحصر في ما استحال توقعه ، ولذلك فإن الزوبعة التي يمكن توقيها بإقامة بنايات صلبة مثلا لا تعتبر قوة قاهرة، وكذلك الأمطار لا تعتبـر قـوة قاهرة إلا إذا أثبـت المـدين أنهـا هـطلـت خـلال مـدة طويلة أو كانت لهـا كثافة استثنائية ( 43 ). 


أما فيما يتعلق بغارات العدو ، فإنها لا تشكل قوة قاهرة ، إلا إذا كان لها مفهوم حوادث الحرب. 


وبخصوص الحوادث الفجائية، فإن المحاكم المغربية لا تعتبر الحوادث الناشئة عن سوء الحالة الميكانيكية للسيارات موجبة لإعفاء الناقل من المسؤولية ، إلا إذا توافرت في الحادث الفجائي الذي يدعيه سائق السيارة عناصر القوة القاهرة ( 45 ). 

- أن يكون الحادث مما يجعل تفادي الضرر أمرا مستحيلا لا يمكن دفعه : لا يكفي للمدين أن يدفع المسؤولية العقدية عنه بكون الحادث لم يكن من الممكن توقع حصوله ، بل يجـب أيضا أن تكـون القـوة القاهرة أو الحادث الفجائي مـن الأمـور التي يستحيل دفعها ، والاستحالة المقصودة هنا هي ا الاستحالة المطلقة التي تسري على غالبية الناس وفق معيار الرجل العادي ، بحيث يستحيل على كل من وجد في نفس ظروف المدين المسؤول أن يدفع الحادث ويمنع وقوع أضراره ، مهما بلغت درجة هذا الشخص من القوة . وليس الاستحالة النسبية التي تتعلق بشخص المدين فقط ، فإذا كانت الاستحالة نسبية أي قاصرة على المدين دون غيـره فـلا يعتبـر الحـادث قـوة قـاهرة أو حادث فجائي ، وبالتالي لا يعفـي المـديـن مـن المسؤولية ، ولو استحال عليه دفعه من الناحية الواقعية . وهـذا الشـرط هـو الـذي يميـز نطاق المسؤولية العقدية بين القـوة القاهرة ونظرية الظروف الطارئة ، فالأولى تجعل من التنفيذ أمرا مستحيلا بالمطلق ، وأما الثانية فتجعل تنفيذ الالتزام مرهقا فقط . وتطبيقا لهذه القاعدة ، فقـد قـرر القضاء في المغرب أن هيجان البحر بسبب رداءة الطقس لا يشكل القوة القاهرة التي تسمح لربان الباخرة التمسك بعدم مسؤوليته عن الأضرار التي أصابت البضاعة المشحونة على ظهر الباخرة، لأن هيجان البحر مما يمكن التغلب عليه والحيلولة دون وقوع الأضرار الحاصلة بسببه.


- يجب أن لا يكون هناك خطأ من جانب المسؤول أدى إلى وقوع الحادث : إذ إن هذا الخطأ يفقد الحادث وصف القوة القاهرة أو الحادث الفجائي ، فإذا هطلت أمطار في غير موسمها وألحقت أضرارا ببضاعة في العراء معهود بحفظها إلى شركة تتولى مثل هذا العمل ، وكان حفظ البضاعة يجري عادة في تخزينها داخل مستودعات مبنية لهذا الغرض ، وكان من غير المألوف وضع البضاعة في العراء ، فإن الشركة تكون مسؤولة عن الضرر الذي أصاب البضاعة ، لأن هذا الضرر يرجع إلى خطأ من جانبها.


 أما عن أثر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي على المسؤولية العقدية ، فيمكن القول إنه إذا كانت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي هي السبب الوحيد في وقوع الضرر ، فإنه في هذا الفرض تنتفي العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ، وتبعا لذلك تنتفي المسؤولية العقدية عن المدين وفق ما أوضحه الفصل 95 من ق.ل.ع. أما إذا اشتركت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مع خطأ المدين في إحداث الضرر ، فإن هذا الأخير يتحمل المسؤولية العقدية كاملة ، لأن خطأه هو الذي يعتبر السبب في وقوع الضرر ( 48 ) ( 46 ) وأما إذا كانت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي قد ساهمت في توقيف تنفيذ الالتزام ليس إلا بالشروط المارة بنا أعلاه ، فإن الأثر المترتب على ذلك هو وقف تنفيذ الالتزام حتى يزول الحادث ، فيصبح الالتزام بعد ذلك واجب التنفيذ .


2- نفي العلاقة السببية بمطـل الـدائن : ليست القوة القاهرة أو الحادث الفجائي هي السبب الوحيد الذي يعفي المدين من تحمل المسؤولية ، بل هنالك أيضا مطل الدائن حسب ما نص عليه الفصل 268 من ق.ل.ع. ويكون الدائن في حالة مطـل حسب الفصـل 270 من ق.ل. ع ، إذا رفض دون سبب معتبر قانونا استيفاء الأداء المعروض عليه من المدين أو من شخص آخر يعمل باسمه ، أو سكت هذا الدائن أو غاب عندما تكون مشاركته ضرورية لتنفيذ الالتزام . إذ السكوت في هذه الحالة يعتبر رفضا منه ، والرفض حمله المشرع على أنه تعطيل لتنفيذ الالتزام . غير أن الدائن لا يكون في حالة مطل إذا كان المدين ، في الوقت الذي يعرض فيه أداء الالتزام غير قادر في الواقع على أدائه ( الفصل 271 ) . كما لا يكون أيضا في حالة مطـل إذا رفض مؤقتا قبض الشيء ، وكان حلول أجل الالتزام غير محدد ؛ أو إذا كان للمدين الحق في أ يبرئ ذمته قبل الأجل المقرر . أن غير أنه إذا كان المدين قد أخطر الدائن ، في أجل معقول بنيته في تنفيذ الالتزام ، فإن الدائن يكون في حالة مطل ، ولو رفض مؤقتا قبض الشيء المعروض عليه ( الفصل 272 من ق.ل.ع ) . وإذا ثبت مطل الدائن ، فإن العلاقة السببية تنتفي بين خطأ المدين والضرر الذي لحق بالدائن ، وتبعا لذلك تنتفي مسؤولية المدين . وفضلا عن هذا الأثر الجوهري فإن الدائن وابتداء من الوقت الذي يصبح فيه في حالة مطل ، فإنه يتحمل مسؤولية هلاك الشيء أو تعيبه ، ولا يكون المدين مسؤولا إلا عن تدليسه وخطئه الجسيم ( الفصل 273 من ق.ل. كما أنه ليس على المدين أن يرد إلا الثمار التي جناها فعلا أثناء مطل الدائن . وله من ناحية أخرى ، الحق في استرداد المصروفات الضرورية التي اضطر إلى إنفاقهـا لحفظ الشيء وصيانته ، وكذلك مصروفات العروض المقدمة منه ( الفصل 274 من ق.ل.ع ) . غيـر أن هـذا المـطـل الـوارد فـي الفصـل 270 مـن ق.ل.ع لا ينبغي أن يحمـل علـى التخصيص أو الحصر كسبب وحيد تنتفی به مسؤولية المدين ، وإنما يمكن قياسه على كل فعل أمن الدائن سواء تعلق بالمطل أو بغيره من الأفعال الأخرى التي تمنع المدين من يعتبر وفائه بالتزامه .


وهكذا مثلا في عقد نقل البضائع ، إذا كان عامل النقل يقـود المركبة التي ينقل فيها بضائع الدائن بسرعة أكبر مما يجب ، ولكن البضائع كانت قابلة للكسر ، ولم يغلفها صاحبها التغليف المعتـاد الـذي بـه يـؤمن عليهـا مـن الكسر أو التلف ، فإذا تلفـت هـذه البضائع أو انكسرت ، فيكون الضرر هذه الحالة غير ناشئ عن خطأ المدين ، بل عن خطأ الدائن نفسه ، لأن البضائع كانت تنكسر حتى لو كان عامل النقل يسير بسرعة معتدلة ، فسبب الضرر هنا ليس خطأ المدين بل هو نفسه  خطأ الدائن : وإذا ثبت خطأ الدائن في نفي العلاقة السببية بين الضرر الذي أصابه وخطأ المدين ، فلا يهم بعد ذلك أن يكون هذا الخطأ قد صدر عن فعله الشخصي أو إلى تقصير أحد أتباعه ، فيتحمل هو مسؤوليته كما إذا عهد إلى خادم له في استلام ما تعهد المدين بتسليمه ، فتأخر الخادم عن الذهاب في الميعاد ، وتسبب عن ذلك تأخر المدين في التسليم ، ففي هذه الحالة لا يكون المدين مسؤولا عن هذا التأخر لأنه وقع بسبب خطأ الشخص التابع للدائن ، والدائن مسؤول عن خطأ تابعه مسؤولية عقدية وتقصيرية كما تقضي بذلك النصوص القانونية . وفي الأخير ، فإن للمحكمة الحق في أن تنقص من مقدار التعويض المحكوم به للدائن المضرور ، أو ترفضه كليا إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو أزاد فيه . أما إذا كان خطأ المدين وخطأ المضرور قد قام كل منهما مستقلا عن الأخر ، وكان كل منهما قد اشترك في إحداث الضرر ، فإنها تعتد بالخطأين في تحديد المسؤولية ، إذ يكون كل من الخطأ سببا في وقوع الضرر ، فتتوزع المسؤولية بين المدين والدائن المضرور حسب درجة كل خطأ منهما ( 51 ) 4 - فعل الغير : ويقصد به الفعل الصادر عن شخص أجنبي عن المدين ، أي شخص لا تقوم بينه وبين المدين أية صلة . فإذا صدر فعل من هذا الغير جعل تنفيذ المدين للالتزام تنفيذا مستحيلا ورتب بذلك ضررا للدائن ، فإن هذا الفعل الصادر من الغير يعتبر من قبيل السبب الذي ينفي مسؤولية المدين العقدية متى توافرت فيه شروط القوة القاهرة ، أي لا يمكن الأ جنبي توقعه ولا تفاديه وأن يكـون هـذا الفعـل وحـده هـو المسبب للضـرر . ولا يعتبـر مـن الغيـر كـل شخص يكون المدين مسؤولا عنه. وقـد يكـون كذلك فعل الغير هو السبب الوحيد للضرر ، كما قد يشترك في إحداثه مع خطأ المدين . وعليه ، إذا كان هو السبب الوحيد انتفت مسؤولية المدين ولا يهم في انتقاء مسؤولية المدين أن يكون فعل الغير خطأ ، أو غير خطأ ما دام فعل الغير كان السبب الوحيد فيما حدث من ضرر للمضرور . وخطأ الغير يكون السبب الوحيد للضرر بالرغم من ثبوت خطأ المدين إذا ما استغرق هذا الخطأ الأخير ، أما إذا اشترك خطأ الغير في إحداث الضرر مع خطأ المدين كانت مسؤولية هذا الأخير مسؤولية جزئية . وفي الأخير ، وانطلاقا مما سبق يمكن القول إن تدخل السبب الأجنبي عن . يترتب عنه انتفاء مسؤولية هذا المدين عن الإخلال بالالتزام الذي رتبه العقد في ذمته ، ولا يـحـق للـدائن أن يطالبـه بـالتعويض عنـه ( الفصـل 268 والفصـل 270 ومـا بعـده مـن ق.ل.ع ) ، وذلك ليس لانقطاع العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ، ولكن لانتفاء خطأ المدين ( الفصل 263 والفصل 319 والفصول من 315 إلى 319 من ق.ل.ع ).

المسؤولية العقدية


إرسال تعليق

أحدث أقدم